حذيفة بالمداين، فكان يذكر أشياء قالها رسول الله - ﷺ - لأناس من أصحابه في الغضب، فينطلق ناسٌ ممن سمعَ ذلكَ من حذيفة، فيأتونَ سلمان فيذكرون له قول حذيفة. فيقول سلمان: حذيفة أعلمُ بما يقول، فيرجعون إلى حذيفة فيقولون له قد ذكرنا قولك لسلمان، فما صدقك ولا كذبك!
فأتى حذيفة سلمان وهو في مَبْقَلَةٍ فقال: يا سلمان، ما يمنعكَ أن تصدقني بما سمعتُ من رسول الله - ﷺ -؟ فقال سلمان: إن رسول الله - ﷺ -، كان يغضب فيقول في الغضب لناس من أصحابه، ويرضى فيقول في الرضا لناس من أصحابه. أما تنتهي! حتى تورِّثَ رجالًا حب رجال، ورجالًا بغض رجال، وحتى توقعَ اختلافًا وفرقة؟ ولقد علمت أن رسول الله - ﷺ -، خطب فقال: "أيُّما رَجُل من أمتي سَبَبْتُهُ سَبَّةً، أوْ لَعَنْتُهُ لَعْنَةً في غضبي، فإنما أنا مِنْ وَلدِ آدم، أَغْضَبُ كما يَغْضَبُونَ، وإنما بَعثني رَحْمةً للعالمينَ، فاجْعَلها عليهم صلاة يوم القيامة". والله لتَنْتَهِيَنَّ! أَوْ لأكْتُبَنَّ إلى عُمر] (١).
١٠٨ - ١١٢. قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٨) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ (١٠٩) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ (١١٠) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (١١١) قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١١٢)﴾.
في هذه الآيات: وَحْيُ الله تعالى إلى نبيه عليه الصلاة والسلام، أنَّهُ تعالى الإلهُ الحق الأحد الصمد الذي لا ينبغي أن يعبدَ غيرَهُ الأنامِ، وإعلانُ البراءةِ من القوم إن أصروا على الجاهيلة واجتنابِ الإسلام، وإخبارُ الله نَبِيَّهُ لِيُعْلِمَ قَوْمَهُ أن حلول وقت عقابهم إنما هو بيد الرحمان، فهو يعلم السر وأخفى وله الحكم وهو المستعان.
فقوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد - ﷺ -: قل يا محمد: ما يوحي إلي ربي

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود (٤٦٥٩)، وأحمد (٥/ ٤٣٧) بإسنادٍ حسن. وانظر صحيح سنن أبي داود (٣٨٩٤) - كتاب السُّنة، باب في النهي عن سب أصحاب رسول الله - ﷺ -.


الصفحة التالية
Icon