الصدور، ويعلم ما يسرون وما يعلنون، فلا يغيبُ عنه شيء من أمر خلقه.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾.
قال ابن عباس: (يقول: لعل ما أُقرِّب لكم من العذاب والساعة، أن يؤخَّر عنكم لمدتكم، ومتاع إلى حين، فيصير قولي ذلكَ لكم فتنة).
وقال ابن جرير: (لعل تأخيرهُ ذلكَ عنكم مع وعده إياكم، لفتنة يريدها بكم، ولتتمتعوا بحياتكم إلى أجل قد جعله لكم تبلغونه، ثم ينزل بكم حيئنذ نقمته).
وقوله: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾. أي: قل يا محمد: يا رب افصل بيني وبين قومي ممن كذبني بالحق. قال ابن عباس: (لا يحكم بالحق إلا الله، ولكن إنما استعجل بذلكَ في الدنيا، يسأل ربه على قومه). قلت: وهذه الدعوة قد مضى عليها الأنبياء من قبل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
ففي التنزيل نحو ذلك: ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [الأعراف: ٨٩].
وقوله: ﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾. أي: قل يا محمد: وربنا الرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء، وغمرت نعمتهُ كل عباده، أستعينُ به على تكذيبكم وعنادكم وجحودكم آلاءه ورحمته بكم بإرساله لي بالنبوة ومنهج النجاة لكم.
قال النسفي: (﴿وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ﴾ العاطف على خلقه ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾ المطلوب منه المعونة ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ - قال: كانوا يصفون الحال على خلاف ما جرت عليه، وكانوا يطمعون أن تكون الشوكة لهم والغلبة فكذب اللهُ ظنونهم وخيب آمالهم ونصر رسول الله - ﷺ - والمؤمنين، وخذلهم - أي الكفار - وهو المستعانُ على ما يصفون).
تم تفسير سورة الأنبياء بعون الله وتوفيقه، وواسع منِّه وكرمه