قال ابن كثير: (وذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة، مكثت أربعين يومًا كذلك، يُضاف إليه ما يجتمع إليها، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله، فتمكث كذلك أربعين يومًا، ثم تستحيل فتصيرِ مضغة: قطعةً من لحم لا شكلَ فيها ولا تخطيط، ثم يشْرَعُ في التشكيل والتخطيط، فيُصَوَّرُ منها رأس ويَدان، وصدر وبطن، وفخذان، ورِجْلان، وسائر الأعضاء. فتارة تُسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط، وتارة تُلقيها وقد صارت ذات شَكل وتخطيط، ولهذا قال تعالى: ﴿ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾، أي كما تشاهدونها).
وقوله: ﴿وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾. قال مجاهد: (التمام).
وقال ابن زيد: (الأجل المسمى: إقامته في الرحم حتى يخرج).
والمقصود: أنه تارة يستقر الحمل في الرحم وتارة لا يستقر. قال القرطبي: (والأجل المسمى يختلف بحسب جنين وجنين، فَثَمَّ من يسقط وثَمَّ من يكمل أمره ويخرج حَيًّا).
وقوله: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾. أي: في حالة من الضعف في البدن والحواس يحتاج إلى رعاية الأهل وحنان الأبوين. قال القرطبي: (﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا﴾ أي أطفالًا، فهو اسم جنس. وأيضًا فإن العرب قد تسمّي الجمع باسم الواحد).
وقوله: ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾. أي: في كمال الشباب واستواء العقل وحسن المنظر.
قال ابن جرير: (يقول: ثم لتبلغوا كمال عقولكم ونهاية قواكم بعمركم).
وقوله: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾.
أي: ومنكم من يقبض في حالة شبابه وقوته، ومنكم من يُمَدُّ له في العمر إلى حالة الشيخوخة والهرم، وظهور علامات العجز وضعف العقل والفهم.
وفي التنزيل:
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الروم: ٥٤].
قلت: ومَنْ بلّغَهُ الله من العمر ستين سنة فقد أقام حجته تعالى عليه في العمر،


الصفحة التالية
Icon