مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج: ٣]، ذكر في هذه حال الدُّعاة إلى الضلال من رؤوس الكفر والبِدَع، فقال: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِي﴾، أي بلا عقل صحيح، ولا نَقْل صريح، بل بمجرَّدِ الرأي والهوى).
والمقصود: وصف حال طائفة من المدّعين أهل التنطع والغرور بأن جدالهم لا يكون ببرهان وحجة، ولا ببيّنة وبصيرة، ولا بوحي من كتاب أو سنة، وإنما هو التعالم أو حب الظهور، الذي يفسد ويقطع الظهور.
وفي التنزيل:
١ - قال تعالى ﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠].
٢ - وقال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [الأنعام: ١٤٤].
وفي سنن أبي داود وابن ماجة بسند صحيح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: [من تعلم علمًا مما يُبْتغى به وجهُ الله تعالى، لا يتعلمه إلا ليصيبَ به عرضًا من الدنيا، لم يجد عَرْفَ الجنة يوم القيامة] (١). يعني ريحها.
وفي سنن ابن ماجة بإسناد صحيح عن جابر قال: قال رسول الله - ﷺ -: [لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا تماروا به السفهاءَ، ولا تخيّروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار] (٢).
وقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾. قال المبرّد: (العِطْفُ ما انثنى من العنق). وقال المفضّل: (والعطف الجانب، ومنه قولهم: فلان ينظر في أعطافه: أي في جوانبه). وعِطْفَا الرجل من لدُن رأسه إلى وَركيْه. والعرب تقول: ثنى فلان عني عِطفه إذا أعرض واستكبر. والمقصود بالآية وصف المعرض عن الحق في جداله واستكباره.
فقوله: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾ - قال ابن عباس: (يقول: مستكبرًا في نفسه). أو قال: (يعرض عن ذكري). وقال مجاهد وقتادة ومالك عن زيد بن أسلم: ﴿ثَانِيَ عِطْفِهِ﴾،
(٢) حديث صحيح. رواه ابن ماجة وابن حبان والحاكم. انظر صحيح الجامع الصغير (٧٢٤٧).