تبليغ الرسالة إلى فرعون). وقوله تعالى: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ - أي أزل العجمة التي في لساني يفقهوا عني ما أخاطبهم به بالكلام. قال ابن عباس: (كانت في لسانه رُتَّة). قيل: يعني العجمة التي كانت فيه من جمرة النار التي أطفأها في فيه وهو طفل). وقيل غير ذلك، والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى: ﴿وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾. هو من تمام سؤال موسى ربه عونه في تيسير مهمته لدعوة ذلك الطاغية المتجبر فرعون. فسأل ربه أن يجعل له عونًا من أهل بيته. قال النسفي: (﴿وَزِيرًا﴾ ظهيرًا أعتمد عليه، من الوزر الثقل، لأنه يتحمل عن الملك أوزاره ومؤنته، أو من الوزر الملجأ، لأن الملك يعتصم برأيه، ويلتجئ إليه في أموره، أو معينًا من الموازرة وهي المعاونة).
أخرَج النسائي بسند صحيح عن عائشة قالت: قال رسول الله - ﷺ -: [من ولي منكم عملًا فأراد الله به خيرًا جعل له وزيرًا صالحًا إن نسي ذكَّرَه، وإن ذكَر أعانه] (١).
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد مرفوعًا: [ما بعث الله من نبيّ ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضّه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضّه عليه، فالمعصوم من عصمه الله] (٢).
وقوله: ﴿هَارُونَ﴾ عطف بيان لـ "وزيرًا"، وقوله ﴿أَخِي﴾ بدل أو عطف بيان آخر.
وعن ابن عباس: (﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ يقول: اشدد به ظهري). وقال ابن زيد: (يقول: اشدد به أمري، وقوّني به، فإن لي به قوّة). وعن مجاهد: (﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ قال: ظهري). وفي لغة العرب: أزر فلان فلانًا: إذا أعانه وشدّ ظهره. قال الرازي: (الأزْر: القوة. وقوله تعالى: ﴿اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي﴾ أي ظهري. و"آزره" أي عاوَنَه).
قال ابن جرير: (وقوله: ﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ يقول: واجعله نبيًّا مثل ما جعلتني نبيًّا، وأرسله معي إلى فرعون). وقال ابن كثير: (﴿وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ أي: في مشاورتي).
وقوله تعالى: ﴿كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (٣٣) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (٣٤) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا﴾.
أي: كي نعظمك بالذكر والتسبيح والدعاء، فإنك العليم بأحوالنا البصير بحاجاتنا.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٧١٩٨)، وأخرجه أحمد (٣/ ٣٩) من حديث أبي سعيد، ورواه أحمد (٢/ ٢٨٩) وأبو يعلى (٦٠٠٠)، وصححه ابن حبان (٦١٩١) من حديث أبي هريرة.