سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٣٦) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (٣٧)}.
في هذه الآيات: تشريعُ ذبح البدن وذِكْرُ اسم الله عليها مصطفة، وتذليل لحومها ولبنها وركوبها إنما هو فضل الله عليكم -أيها المؤمنون- لعلكم تشكرون. إنه لن يصل إلى الله لحمها ودمها وإنما يناله التقوى منكم، ومن ذلك إتمام مناسككم، والبشرى للمحسنين.
فعن عطاء: (﴿وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ قال: البقرة، والبعير). وقال مجاهد: (إنما البُدْن من الإبل). قلت: فالبدن يشمل البقر والإبل، وهو من أفضل ما يهدى إلى بيت الله الحرام. وقد صحّ أن النبي - ﷺ - جعل البقرة في الأضاحي عن سبعة، وكذلك البَدَنة، وإليه ذهب الإمام الشافعي، وكذلك الإمام أحمد في المشهور عنه.
ففي صحيح مسلم عن ابن عباس قال. [نحرنا مع رسول الله - ﷺ - عامَ الحديبية، البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة] (١).
وأما إسحاق وغيره من الفقهاء فقد ذهبوا إلى أن البدنة تجزئ عن عشرة.
وفي التحقيق فإن البدنة تجزئ عن سبعة أو عشرة حسب حجمها. وعليه تدل مجموع الأحاديث، ومن ذلك:
الحديث الأول: أخرج البخاري عن رافع بن خديج: [أن رسول الله - ﷺ - قَسَمَ بينهم الغنائم، فعدل الجَزُور بِعَشْرِ شِياه] (٢).
الحديث الثاني: أخرج مسلم عن جابر قال: [خرجنا مع رسول الله - ﷺ - مُهِدِّينَ بالحج معنا النساءُ والولدانُ، فلما قدمنا مكة، طُفْنا بالبيت وبالصفا والمروة، وأمرنا رسولُ الله - ﷺ - أن نشترك في الإبل والبقر كُلُّ سبعة منا في بَدَنة] (٣).
الحديث الثالث: أخرج الإمام أحمد والنسائي بسند حسن عن ابن عباس قال: [كنّا

(١) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٣١٨)، كتاب الحج، ورواه البخاري وغيره من أهل السنن.
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٢٣٠٧)، كتاب الشركة، باب من عدل عَشَرَةً من الغنم في القَسْم. وانظر كتابي: السيرة النبوية (٣/ ١٧٢٣) لتفصيل البحث.
(٣) حديث صحيح. أخرجه مسلم في الصحيح (١٣١٨)، كتاب الحج. باب الاشتراك في الهدي.


الصفحة التالية
Icon