وقوله. ﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ﴾.
إخبار من الله تعالى أنه لما استقر موسى عليه السلام رضيعًا في بيت فرعون، عَرَضوا عليه المراضع فأباها، وهو قوله سبحانه: ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ فجاءت أخته وقالت: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢]. أي: هل أدلكم على مرضعة ترضِعُه لكم بالأجرة؟ فذهبت به وهم معها إلى أمه، فعرضت عليه ثَدْيها، فَقَبِلَهُ، فردّ الله موسى إلى أمه وأدخل عليها السرور والفرح من جديد، وأزال عنها الهم والحزن، ونالها إضافة إلى سرورها أجر الإرضاع، ولثواب الله في الآخرة أطيب وأكمل.
وقوله: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾.
قال ابن جرير: (﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ يعني جل ثناؤه بذلك: قتله القبطي الذي قتله حين استغاثه عليه الإسرائيلي، فوكزه موسى). وقال مجاهد: (﴿فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ﴾: من قتل النفس). أي: نجيناك ممّا نزل بك من غم ذلك القتل وما تبعه من محاولة القوم أن يقتلوك بما صدر منك، فخلصناك منهم، حتى هربت إلى أهل مدين، فلم يبلغوا إلى قتلك أو قودك سبيلًا. ثم لجأت إلى ذلك الرجل الصالح فطمأنك وقال لك: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥].
وعن ابن عباس: (قوله: ﴿وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾ يقول: اختبرناك اختبارًا). أو قال في رواية أخرى: (ابتليت بلاء). والمقصود: استعراض تلك المحن والبلايا التي قضى الله لموسى أن يمرّ بها حتى يكتمل ويصلب ويواجه حمل أمانة الوحي والنبوة.
وفي صحيح مسلم عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: [يا أهل العراق ما أسألكم عن الصغيرة وأركبَكم للكبيرة؟ ! سمعت أبي عبد الله بن عمر يقول: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول: "إن الفتنة تجيء من ها هنا"، وأومَأ بيده نحو المشرق من حيث يطلع قرنا الشيطان، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى عليه السلام الذي قتل من آل فرعون خطأ فقال الله عز وجل له: ﴿وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا﴾] (١).