وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (٤٤)}.
في هذه الآياتِ: استمرارُ إرسال الله تعالى الرسل في القرون المتتابعة، واستمرار تكذيب الملأ الكافر وأتباعهم في الأمم المتلاحقة، وختام ذلك نزول نقمة الله على المكذبين وتصييرهم أحاديث للأجيال القادمة.
فقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُونًا آخَرِينَ﴾.
أي: ثم أوجدنا من بعد هلاك هؤلاء أممًا وأقوامًا آخرين.
قال ابن عباس: (يريد بني إسرائيل). قال القرطبي: (وفي الكلام حذف: فكذبوا أنبياءهم فأهلكناهم).
وقوله تعالى: ﴿مَا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ﴾.
قال ابن كثير: (يعني: بل يؤخذون حسبَ ما قدَّر لهم تعالى في كتابه المحفوظ وعِلْمِهِ قبل كَوْنِهِم، أمة بعد أمة وقرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيل، وخلفًا بعد سلف).
وقوله: ﴿ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى﴾. معنى ﴿تَتْرَا﴾ تتواتر. قال ابن عباس: (يعني يتبع بعضهم بعضًا).
والمقصود: ثم واترنا رسلنا على أجيال الخلق يتبع بعضهم بعضًا ترغيبًا وترهيبًا.
وقوله: ﴿كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا﴾. أي: بالهلاك.
وقوله ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾. أي أخبارًا وأحاديث للناس لِضَرْبِ المثل والتعجب. قال الأخفش: (إنما يقال هذا في الشر ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ﴾ ولا يقال في الخير، كما يقال: صار فلان حديثًا أي عبرة ومثلًا، كما قال في آية أخرى: ﴿فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ﴾ [سبأ: ١٩]).
وقوله: ﴿فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: فأبعد الله قومًا لا يؤمنون بالله، ولا يصدقون برسوله).
٤٥ - ٤٩. قوله تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٤٥) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ (٤٦) فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا