قال: (وقوله: ﴿ذَاتِ قَرَار﴾ يقول: ذات خصب ﴿وَمَعِينٍ﴾ يعني ماء ظاهرًا). وقال (المعين الماء الجاري، وهو النهر الذي قال الله تعالى: ﴿قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا﴾ [مريم: ٢٤]).
وقال مجاهد: (ربْوة مستوية). وقال سعيد بن جبير: (﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ استوى الماء فيها). وقال قتادة: (﴿وَمَعِينٍ﴾ الماء الجاري). وقال: (هو بيت المقدس).
وخلاصة القول: لقد آوى الله تعالى عبده عيسى بن مريم - ﷺ - وأمه إلى أرض مرتفعة خصبة تحفل بالنبات والثمر والماء رحمة منه تعالى بهما. وظاهر آيات القرآن أن ذلك كان في بيت المقدس، والله تعالى أعلم.
٥١ - ٥٦. قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (٥٢) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (٥٤) أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (٥٥) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٦)﴾.
في هذه الآياتِ: أمْرُ الله تعالى الرسل وعباده المؤمنين بأكل الحلال، وامتثال الصالح من الأعمال، والدعوة إلى الدين الحق، واجتناب الفرقة أو الانزلاق إلى الشبهات والشهوات، والتنبيه إلى سنة الله في استدراج القوم الظالمين، ثم استئصالهم من حيث لا يشعرون.
فقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾.
أمرٌ من الله سبحانه لعباده المرسلين بأكل الحلال وترك الحرام وامتثال صالح الأعمال، وهو - تعالى - عليم باعمالهم ومجازيهم بجميعها أحسن الثواب. قال الحسن: ﴿كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ يعني: الحلال). والخطاب وإن كان موجهًا للرسل فهو لأتباعهم من باب أولى، وإنما خصّ الموسلين بالكلام لأنهم قدوة العباد وأسوة البشرية جميعًا.
ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - ﷺ -: [يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: