وقوله تعالى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: أفحسبتم أيها الأشقياء أنا إنما خلقناكم إذ خلقناكم لعبًا وباطلًا، وأنكم إلى ربكم بعد مماتكم لا تصيرون أحياء، فتجزون بما كنتم في الدنيا تعملون؟ ).
وقوله تعالى: ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾.
أي: فتنزَه الله الملك الحق وتقدس عما ينسب إليه المشركون من الأولاد والشركاء والأنداد، وعن أن يخلق عباده عبثًا أو سفهًا، بل هو الحكيم لا معبود بحق سواه رب العرش الكريم.
قال ابن كثير: (فذكر العرش لأنه سقفُ جميع المخلوقات، ووصفه بأنه كريمٌ، أي: حَسَنُ المنظر بَهيُّ الشكل، كما قال تعالى: ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ [لقمان: ١٠].
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾.
قال مجاهد: (﴿لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ﴾ قال: بينة). أو قال: (حجة).
والمقصود: من يدع مع الله الذي لا تصلح العبادة إلا له معبودًا آخر لا حجة له بذلك، فإنما يوفى حساب عمله السَّيِّئ عند ربه الأحد الصمد الذي أشرك به، ومن ثمَّ فلا فلاح للكافرين لا في الدنيا ولا في الآخرة.
قال الرازي: (نبّه تعالى بالآية، على أن كل ما لا برهان فيه، لا يجوز إثباته، وذلك يوجب صحة النظر وفساد التقليد).
وفي سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد بسند صحيح عن أبي تميمة عن رجل من قومه، أنه أتى رسول الله - ﷺ -، أو قال: شهدت رسول الله - ﷺ - وأتاه رجل فقال: أنت رسول الله أو قال: أنت محمد؟ فقال: نعم. قال: فإلامَ تدعو؟ قال: [أدعو إلى ربكَ الذي إن مَسَّكَ ضرّ فدعوته كشَفَ عنك، والذي إن أضللت بأرض قفرٍ فدعوته رَدَّ عليك، والذي إن أصابتك سنة فدعوته أنبت لك] (١).

(١) حديث صحيح. أخرجه أبو داود في السنن (٤٠٨٤). انظر صحيح سنن أبي داود (٣٤٤٢)، وصحيح الجامع الصغير (٢٤٢)، ورواه أحمد.


الصفحة التالية
Icon