قال النسفي: (فيه دليل على أنه خاف منه خوفًا شديدًا، وقوله: ﴿بِسِحْرِكَ﴾ تعلل، وإلا فأي ساحر يقدر أن يخرج ملكًا من أرضه؟ ! ).
وقوله تعالى: ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى﴾.
أي: فلنعارضَنَّكَ بسحر مثل سحرك، فاختر لذلك مكانَ موعدٍ على النَّصَفِ بيننا وبينك. قال مجاهد: (﴿مَكَانًا سُوًى﴾: منصفًا بينهم). وقال قتادة: (نصفًا بيننا وبينك، أي عادلًا بيننا وبينك).
قلت: وأصل قوله ﴿سُوًى﴾ من الاستواء، كما قال ابن زيد: (﴿مَكَانًا سُوًى﴾: مكانًا مستويًا يتبين للناس ما فيه، لا يكونُ صُوَبٌ ولا شيءٌ فيغيب بعضُ ذلك عن بعض، مُسْتَوٍ حينَ يُرَى).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾.
أي: في يوم عيدهم ذلك. قال ابن عباس: (فإنه يوم زينة يجتمع الناس إليه ويحشر الناس له).
وعن ابن جريج قال: (يوم زينة لهم، ويوم عيد لهم ﴿وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ إلى عيد لهم).
وقال السدي: (﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ وذلك يوم عيد لهم). وقال ابن زيد: (يوم العيد، يوم يتفرَّغُ الناس من الأعمال، ويشهدون ويحضُرون ويرون). قال ابن كثير: (﴿ضُحًى﴾ أي: ضَحْوَة من النهار ليكونَ أظهرَ وأجلَى وأَبْيَنَ وأوضحَ. وهكذا شأنُ الأنبياء، كُلُّ أمرهم واضحٌ بيِّنٌ، ليس فيه خَفاءٌ ولا ترويج. ولهذا لم يقل: ليلًا، ولكن نهارًا ضُحىً).
وقوله تعالى: ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى﴾ - فيه إشارة إلى انتفاض فرعون لمواجهة ما أشغله وأهمه، فشرع يجمع الكيد والسحر والسحرة الماهرين من جميع مدائن مملكته، ثم حضر بقوة سلطانه وأبّهته وكيده وسحرته.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى﴾. أي: بادأهم موسى عليه الصلاة والسلام حين اجتمعوا بالتحذير من بطش الله إن عاندوا حججه وآياته سبحانه بالكذب والافتراء - يقول ذلك للسحرة.