وما نزل ببيت النبوة ومجتمع المسلمين حينئذ من الأذى:
فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كان رسول الله - ﷺ - إذا أراد أن يخرج سفرًا قرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فأقرع بيننا في غزاة غزاها، فخرج سهمي فخرجت معه بعدما أنزل الحجاب، فأنا أحمل في هودج وأنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - ﷺ - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة، آذن ليلة بالرحيل، فقمت حين أذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحيل، فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه.
فأقبل الذين يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي أركب وهم يحسبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم، وإنما يأكلهن العلقة من الطعام، فلم يستثكر القوم حين رفعوه ثقل الهودج فاحتملوه. وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش، فجئت منزلهم وليس فيه أحد، فأممت منزلي الذي كنت وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينما أنا جالسة غلبتني عيناي فنمت.
وفي رواية لابن إسحاق: (فتَلفَّفت بجلبابي: ثم اضطجعتُ في مكاني، وعرفت أن لو قد افتُقدت لرُجع إليّ).
قالت: وكان صفوان بن المُعَطّل السُّلَمي ثم الذكواني من وراء الجيش، فأصبح عند منزلي، فرأى سواد إنسان نائم وأتاني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين أناخ راحلته. (وفي رواية ابن إسحاق: قالت: فوالله إني لمُضطجعة إذ مَرَّ بي صفوان بن المعطَّل السُّلَمي، وقد كان تخلَّف عن العسكر لبَعْض حاجته، فلم يبتْ مع الناس، فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف عليّ، وقد كان يراني قبل أنْ يُضربَ علينا الحجاب، فلما رآني قال: إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله - ﷺ - وأنا متلفِّفَةٌ في ثيابي، قال: ما خلَّفك يرحمك الله؟ قالت: فما كَلَّمْتُه، ثم قرّب البعير، فقال: اركبي، واستأخر عني. قالت: فركبت، وأخذ برأس البعير، فانطلق سريعًا، يطلب الناس، فوالله ما أدركنا الناس، وما افتقدْت حتى أصبحتُ، ونزل الناس، فلما اطمأنوا طلع الرجلُ يقود بي، فقال أهل الإفك ما قالوا، فارتعج العسكر - أي تحرك واضطرب -، والله ما أعلم بشيء من ذلك).