إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُلقى في النار] (١).
٢ - بشرية الرسول وعدم علمه بالغيب:
فقد قاسى النبي - ﷺ - ألمَ ما يقال في عرضه، وفي أحب الناس إليه زوجته عائشة بنت أحب الناس إليه أبي بكر الصديق قرابة شهر، ولو كان يعلم الغيب أو يقدر على استحضار الوحي لفعل، ولخفف بذلك عن نفسه ومن حوله تلك المعاناة التي دامت أيامًا طويلة، وفي هذا أكبر دليل على أنه بشر يأتيه الخبر من الوحي، فإذا تأخر عنه فترة من الزمن عايش الأحداث كغيره وحاكم الأمور ببشريته وبما معه من أدلة وهدي ونور.
وفي هذا يقول الدكتور العمري: (وفي حادثة الإفك توضيح دقيق لبشرية الرسول - ﷺ -، فقد تأثّر أبلغ التأثر لرمي المنافقيق زوجه. ومع حرصه عليها وحبه لها ولأبيها، فإنه لم يتمكن من الكشف عن الغيب أو استحضار الوحي الذي انقطع عنه شهرًا ليجري عليه الابتلاء والامتحان) (٢).
لقد قال الله في سورة الكهف: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ﴾.
وفي صحيح الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: [قال النبي - ﷺ - لجبريل: ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت: ﴿وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا﴾] (٣).
وكذلك لو كان الوحي - كما يزعم بعض المستشرقين وبعض المنهزمين - أنه إلهام نفسي أو تألق عقلي أو تفاعل بين الأفكار والخواطر التي تجوب داخل النفس، لكان ذلك الألم النفسي كافيًا لانبثاق شيء من الإلهام والخواطر التي تحول دون استمرار هذه المعاناة للعواطف الملتهبة المتقلبة وتؤدي لإنهاء الصواع، وقد أشار إلى ذلك الدكتور العمري في كتابه "السيرة النبوية الصحيحة".
ولكن الأمر كما قال الله في سورة الحاقة: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (٤٦) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (٤٧)﴾.
وكما قال في سورة الأعراف: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ
(٢) انظر كتاب: "السيرة النبوية الصحيحة" (٢/ ٤١٣).
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح البخاري (٤٧٣١)، كتاب التفسير.