٣ - براءة عائشة إلى يوم القيامة:
قال الحافظ ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٢٣)﴾: (وقد أجمع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن من سبَّها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر لأنه معاند للقرآن).
لقد عوض الله عائشة رضي الله عنها عن محنتها ودموعها البريئة التي انهمرت في أيام المحنة والصبر، ومنعتها من النوم والراحة، أن شرفها بصدق توكلها ببراءة في قرآن يُتلى يتعبد به الناس على مر الدهر والأزمان. فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ﴾. وقد ذكرها ابن عباس بتلك الشهادة من الله أثناء موتها حين دخل عليها فقال لها: (أبشري فإنك زوجة رسول الله - ﷺ -، وكان يحبك ولم يتزوج بكرًا غيرك، ونزلت براءتك من السماء) - تفسير ابن كثير -.
لقد شرفها الله بنزول الوحي لتبرئتها ولم تكن هي تتوقع ذلك، فكانت تقول: (ولشأني في نفسي كانَ أحقرَ من أن يتكلم الله فيَّ بوحي يُتلى) أخرجاه في الصحيحين عنها.
وجاء جبريل يومًا إلى النبي - ﷺ - وبعث لها معه سلامًا، فأقرأها إياه.
ففي صحيح الإمام مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - ﷺ -: [يا عائشة، هذا جبريل يقرأ عليك السلام، فقالت: وعليه السلام ورحمة الله، قالت: وهو يرى ما لا أرى] (١).
وبقيت عائشة رضي الله عنها محبوبَة نبينا الأولى من بين زوجاته، ينتظر يومها بفارغ الصبر. روى مسلم عنها قالت: [إن كان رسول الله - ﷺ - ليتفقد، يقول: (أين أنا اليوم، أين أنا غدًا)، استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومي، قبضه الله بين سَحْري (٢) ونحري] (٣).

(١) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٢٤٤٧)، كتاب فضائل الصحابة.
(٢) السحْر: الرئة.
(٣) حديث صحيح. انظر صحيح مسلم (٧/ ١٣٧)، وهو في مختصر صحيح مسلم برقم (١٦٦٣)، باب: في فضائل عائشة - رضي الله عنها - أم المؤمنين رضي الله عنها.


الصفحة التالية
Icon