عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٣١)}.
في هذه الآياتِ: أَمْرُ الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر عما لا يحل النظر إليه، وتعليق السلامة في النسب والفروج على ذلك. وأَمْرُ المؤمنات بعدم إبداء زينتهن إلا الوجه والكفين، وارتداء الجلباب الشرعي الذي يغطي كل شيء خاصة العنق والصدر، ويستثنى المحارم في إظهار مواضع الزينة العامة أمامهن، والتحذير من الضرب بالأرجل على الأرض لما يحرك الفتنة على الرجال، والأمر بالتوبة إلى الله ابتغاء الفلاح وسعادة الدارين.
فقوله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى﴾. أمْرٌ من الله تعالى لعباده المؤمنين بغض البصر عما لا يجوز لهم النظر إليه من المحارم، ورَبْطُ ذلك بحفظ الفروج وزكاة النفوس وتقوى الله عز وجل.
قال ابن عباس: (﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ قال: يغضوا أبصارهم عما يكره الله). وقال ابن زيد: (يغض من بصره: أن ينظر إلى ما لا يحلّ له، إذا رأى ما لا يحل له غضّ من بصره، لا ينظر إليه، ولا يستطيع أحد أن يغض بصره كله، إنما قال الله: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾).
وفي كلام العرب: غَضَّ طرفهُ أي خفضه، ويقال غضَّ بصره يغضّه غضًّا.
وهذا الأمر من معالي الأخلاق التي دعا لها الإسلام وأقرها في مكارم الأخلاق.
ومن ذلك قول عنترة:

وأغضُّ طرفي ما بَدَتْ لي جارتي حتى يُواري جارتي مأواها
قال البخاري: (وقال سعيد بن أبي الحسن للحسن (إن نساء المعجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن! قال: اصرف بصرك، يقول الله تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾) (١). وقال بعض السلف: (النظر سِهام سمٍّ إلى القلب). قال القرطبي: (ولقد كره الشَّعبي أن يُديم الرجل النظر إلى ابنته أو أمه أو أخته، وزمانه خير من زماننا هذا! وحرام على الرجل أن ينظر إلى ذاتٍ محرّمة نظر شهوة يردّدها).
(١) أورده بإثر حديث (٦٢٢٧)، وسعيد هذا هو أخو الحسن البصري.


الصفحة التالية
Icon