الحديث الرابع: أخرج الترمذي وابن حبان بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - ﷺ - قال: [إذا رأيتم من يبيعُ أو يبتاعُ في المسجد فقولوا: لا أربحَ الله تجارتك. وإذا رأيتُم من يمشُدُ ضالة في المسجد فقولوا: لا رَدَّها الله عليك] (١).
وقوله: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ﴾. أي: يصلي لله ويذكره فيها غدوة وعشيًّا رجال لا تشغلهم أعمال البيع والصفق في الأسواق للتكسب عنْ ذِكر الله وإقامة صلاة الجماعة وأداء الزكاة المفروضة. قال ابن عباس: (﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ يقول: يصلي له فيها بالغداة والعشي، يعني بالغدو: صلاة الغداة، ويعني بالآصال: صلاة العصر، وهما أوّل ما افترض الله من الصلاة، فأحبّ أن يذكرهما، ويذكر بهما عبادته). وقال الحسن: (أذن الله أن تبنى، فيصَلّى فيها بالغدو والآصال). والوقف التام على قوله: "والآصال" عند من قرأ من القرّاء: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ - بفتح الباء مِن "يُسَبَّح" على البناء لما لم يُسَمَّ فاعله. والقراءة بالكسر ﴿يُسَبِّحُ﴾ أشهر في الأمصار.
قلت: وقوله: ﴿رِجَالٌ﴾ فاعل "يُسَبِّح" مرفوع. والوقف على نهايات الآيات مستحب دومًا، لأن النبي - ﷺ - كان يقطع قراءته فيقرأ آية آية، وكثير من الاجتهادات في غير ذلك مما لا دليل عليه.
ففي جامع الترمذي ومستدرك الحاكم بسند صحيح عن أم سلمة قالت: [كانَ يُقَطِّعُ قِراءتَهُ آيةً آيةً: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ثم يقف: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾، ثم يقف] (٢).
قال ابن كثير: (فقوله: ﴿رِجَالٌ﴾ فيه إشعار بهممهم السامية، ونِياتهم وعزائمهم العالية، التي بها صاروا عُمَّارًا للمساجد، التي هي بيوتُ الله في أرضِه، ومواطِنُ عبادتِه وشكره، وتوحيده وتنزيهه، كما قال تعالى: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾ [الأحزاب: ٢٣]). وعن ابن عباس: ﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ يقول: عن الصلاة المكتوبة). وقال السدي: (عن الصلاة في جماعة).

(١) حديث صحيح. أخرجه الترمذي (١٣١)، وابن حبان (١٦٥٠)، وانظر صحيح مسلم (٥٦٨) نحوه.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الترمذي في السنن -حديث رقم- (٣١٠٧) - أبواب القراءات. انظر صحيح سنن الترمذي (٢٣٣٦)، ورواه الحاكم.


الصفحة التالية
Icon