يقول: عَمِلَ بنية قلب قد غَمَرَه الجهل، وتغشَّته الضلالة والحيرة، كما يغشى هذا البحر اللُّجي موج من فوقه موج، من فوقه سحاب، فكذلك قلب هذا الكافر الذي مثل عمله مثل هذه الظلمات، يغشاه الجهل بالله، بأن الله ختم عليه، فلا يعقل عن الله، وعلى سمعه، فلا يسمع مواعظ الله، وجعل على بصره غشاوة، فلا يبصر به حجج الله، فتلك ظلمات بعضها فوق بعض).
وقال النسفي: (شبهها (١) ثانيًا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب).
وقوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾. أي: لا يقارب رؤيتها من شدة الظلمة، والتمثيل كناية عن انعدام صفع أعمال الكفار لهم في آخرتهم.
وقوله: ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾. أي: من لم يهده الله لنور الوحي العظيم يهتدي به في ظلمات الجهل والشبهات والهوى، فماله من نور يهتدي به غيره، بل يبقى في الضلال وظلمات الغي والأهواء.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأعراف: ١٨٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧].
٣ - وقال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ﴾ [غافر: ٣٥].
٤ - وقال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا﴾ الكهف: ١٧].
وفي صحيح مسلم عن حذيفة رضي الله عنه، عن النبي - ﷺ - قال: [تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب اشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضرّه فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبدًا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه] (٢).
(٢) حديث صحيح. انظر مختصر صحيح مسلم -حديث رقم- (١٩٩٠) - كتاب الفتن.