وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾. أي: وزعموا أن ما جاء به من هذا الوحي العظيم إنما هو من كتب الأوائل استنسخها فهي تقرأ عليه أول النهار وآخره. قال ابن جريج: (﴿أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾: أشعارهم وكهانتهم). قال ابن كثير: (وهذا الكلامُ -لسَخافتِه وكذِبهِ وبَهْتِهِ منهم- كُلُّ أحد يعلم بطلانه، فانه قد عُلِمَ بالتواتر وبالضرورة: أن محمدًا رسول الله لم يكُنْ يُعاني شيئًا من الكتابة، لا في أول عُمره ولا في آخره، وقد نشأ بين أظهرهم من أوَّلِ مَوْلدِهِ إلى أن بعثه الله نحوًا من أربعين سنة، وهم يعرفون مدخَلَه ومخرجه، وصِدْقه وبرَّه وأمانتَه ونزاهَتَه من الكذب والفجور وسائر الأخلاق الرذيلة، حتى إنهم لم يكونوا يُسَمُّونه في صِغَره وإلى أن بُعثَ إلا الأمينَ، لما يَعْلَمون من صِدْقِهِ وبِرِّه. فلما أكرَمَهُ الله بما أكرَمَهُ به، نصبوا له العداوةَ، ورمَوْه بهذه الأقوال التي يعلَم كلّ عاقل براءَته منها، وحاروا ماذا يقذفونه به، فتارةً من إفكهم يقولون: ساحرٌ، وتارةً يقولون: شاعرٌ، وتارةً يقولون: مجنونٌ، وتارةً يقولون: كذابٌ، قال الله تعالى: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء: ٤٨]).
وقوله: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾. تسكيت لهم وزجْرٌ لافترائهم وقرْعٌ لكذبهم. فهذا الوحي العظيم، هو كلام رب العالمين، أنزله بعلمه، فهو الله الذي يعلم غيب السماوات والأرض وأسرارهما.
فَعن ابن جريج: ﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ قال: ما يسرّ أهل الأرض وأهل السماء). قال النسفي: (﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿أَنْزَلَهُ﴾ أي القرآن ﴿الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي يعلم كل سرّ خفي في السماوات والأرض، يعني أن القرآن لما اشتمل على علم الغيوب التي يستحيل عادة أن يعلمها محمد عليه الصلاة والسلام من غير تعليم دل ذلك على أنه من عند علام الغيوب).
وقوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾. قال القرطبي: (يريد غفورًا لأوليائه رحيمًا بهم).
٧ - ١٤. قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (٧) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٩) تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ


الصفحة التالية
Icon