قال ابن جرير: (يقول: أأنتم أزلتموهم عن طريق الهدى، ودعوتموهم إلى الغيّ والضلالة، حتى تاهوا وهلكوا، أم هم ضلوا السبيل، يقول: أم عبادي هم الذين ضلوا سبيل الرشد والحق، وسلكوا العطب).
وقوله: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾. يجيب به المعبودون يوم القيامة. وهي كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾ [المائدة: ١١٦، ١١٧].
وكقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (٤٠) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤٠، ٤١].
وكذلك في هذه الآية: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: ليس للخلائق كلهم أن يعبدوا أحدًا سواك، لا نحن ولا هم، فنحن ما دعوناهم إلى ذلك. بل هم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم من غير أَمْرِنا ولا رِضانا ونحن بُرآءُ منهم ومن عبادتهم).
وقوله: ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ﴾. أي طال عليهم العمر وهم منغمسون في شهواتهم حتى نسوا الذكر وقست قلوبهم.
قال القاسمي: (ولكن متعتهم وآباءهم بأنواع النعم، ليعرفوا حقها ويشكروها، فانهمكوا في الشهوات حتى نسوا الذكر، أي ذكرك. أو التذكر في آلائك، والتدبر في آياتك، فجعلوا أسباب الهداية، بسوء اختيارهم، ذريعة إلى الغواية- أفاده أبو السعود).
وقوله: ﴿وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا﴾. قال ابن عباس: (هلكى). وقال الحسن: (هم الذين لا خير فيهم). وقال ابن زيد: (يقول: ليس من الخير في شيء. البور: الذي ليس فيه من الخير شيء). والمقصود: فكانوا بكفرهم وانغماسهم في غيهم وشهواتهم هالكين.
وقوله: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾. قال مجاهد: (عيسى وعزير والملائكة، يكذِّبون المشركين بقولهم). والمقصود: تبرؤ الذين عُبِدوا من دون الله مِمَّن عَبدوهم.
قال النسفي: (ومعناه: فقد كذبوكم بقولهم: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من