واستهزاء، يريدون التنقّص والإشارة بالعيب أن اختارك الله عليهم واصطفاك من بينهم.
وقوله: ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾. أي يقولون: أهذا الذي بعث الله إلينا رسولًا من بين خلقه. قال ابن كثير: (أي: على سبيل التنقُّصِ والازدِراء -قَبَّحَهُم الله-). وقال القاسمي: (والإشارة للاستحقار. لأن كلمة "هذا" تستعمل له).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ [الأنبياء: ٣٦].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [الرعد: ٣٢].
وفي المسند بإسناد حسن عن ربيعة بن عَبَّاد الدُّؤَلى قال: [رأيت رسول الله - ﷺ - بذي المجاز يتبع الناس في منازلهم يدعوهم إلى الله عز وجل، ووراءه رجل أحول تقدُ وجنتاه وهو يقول: أيها الناس، لا يغرّنكم هذا من دينكم ودين آبائكم. قلت: من هو؟ قالوا: هذا أبو لهب] (١).
وفي رواية: [ورسول الله يقول لهم: يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا -ويزدحم الناس عليه صامتين وهو يكرر دعوتهم- وأبو لهب يصيح: إنه صابئ كاذب، يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزى].
وروى أحمد وابن ماجة بسند جيد عن جابر قال: [كان رسول الله - ﷺ - يعرض نفسه على الناس في الموسم فيقول: ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشًا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي] (٢).
وقوله: ﴿إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾. قال ابن جريج: (ثبتنا عليها). قال القرطبي: (أي قالوا قد كاد أن يصرفنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا﴾ أي حبسنا أنفسنا على عبادتها).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد في المسند (٣/ ٣٢٢)، (٣/ ٣٣٩)، ورجاله ثقات. وانظر كتابي: السيرة النبوية على منهج الوحيين (١/ ٣٩٠) لتمام البحث.