(المعنى: فاسأل عنه). قال القرطبي: (أي فاسأل عنه خبيرًا، أي عالمًا به، أي بصفاته وأسمائه).
فيكون خبيرًا قد نُصب على المفعول به بالسؤال.
التأويل الثاني: قيل بل المعنى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ بالنصب على الحال، وقيل: بل هو حال مؤكدة مثل قوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾.
قال مجاهد: (يقول لمحمد - ﷺ -: إذا أخبرتك شيئًا فاعلم أنه كما أخبرتك. أنا الخبير). وقال شمر بن عطية: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾: هذا القرآن خبير به).
وخلاصة المعنى: فاسأل به سبحانه عالمًا بصفاته وأسمائه، أو فاسأل الله يخبرك عن نفسه، أو فاسأل القرآن يخبرك عن الله.
وقوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ﴾.
قال القاسمي: (أي من المسمى به؟ لأنهم ما كانوا يعرفونه تعالى بهذا الاسم ولا يطلقونه عليه. أو الاستفهام للتعجب والاستغراب، تفننًا في الإباء. أي وما هذه الأسماء والأعلام التي تصدعنا بها، وتقرع آذاننا بالإذعان لها. ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ﴾ أي الأمر بالسجود، المراد به الإذعان بالإيمان ﴿نُفُورًا﴾ أي استكبارًا عن الإيمان).
وفي صحيح البخاري -في قصة الحديبية- قال الزهري: [فجاء سهيل بن عمرو، فقال: هاتِ اكتُبْ بيننا وبينكم كتابًا. فدعا النبي - ﷺ - الكاتب -وهو علي رضي الله عنه- فقال النبي - ﷺ -: بسم الله الرحمن الرحيم. (وفي رواية أحمد: فقال رسول الله - ﷺ -: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم) فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي - ﷺ -: اكتب باسمك اللهم] (١).
قلت: وهذا من روائع سياسته الشرعية عليه الصلاة والسلام، وإلا فقد قرعهم الله بالقرآن أكثر من مرة باسمه "الرحمن" فقال جل ذكره: ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ﴾ [الرعد: ٣٠].