آبائكم وأجدادكم. فجاء بدليل يفهمونه عنه، ففناء الآباء والأجداد بانتظام واستمرار لابد لتلك الحوادث من مُغَيِّر، ولا يُعقل أنها تجري جزافًا.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾.
هو محاولة جديدة من فرعون لصرف قوة تأثير موسى على قومه عن طريق الاستخفاف والاتهام بالجنون، شأن المفلسين من الحجة على مدار الزمان.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾.
قال النسفي: (﴿إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ﴾ فتستدلون بما أقول فتعرفون ربكم، وهذا غاية الإرشاد، حيث عَمَّمَ أولًا بخلق السماوات والأرض وما بينهما، ثم خَصَّصَ من العام للبيان أنفسهم وآباءهم، لأن أقرب المنظور فيه من العاقل نفسه ومن ولد منه وما شاهد من أحواله من وقت ميلاده إلى وقت وفاته، ثم خَضَصَ المشرق والمغرب لأن طلوع الشمس من أحد الخافقين وغروبها في الاخر على تقدير مستقيم في فصول السنة، وحساب مستو من أظهر ما استدل به).
والمقصود: أن موسى عليه الصلاة والسلام أراد تصغير فرعون وكبرياءه أمام قومه بحجة الوحي البالغة، فكأنه يقول له: إنك إن كنت تملك بلدًا واحدًا وقومًا تتحكم بحياتهم وشؤونهم فلست بشيء أمام مالك ما بين المشرق والمغرب وما بين السماوات والأرض فاعقلوا معشر السامعين.
٢٩ - ٣٧. قوله تعالى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣) قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (٣٥) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (٣٦) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ (٣٧)﴾.
في هذه الآيات: تهديدُ فرعون لموسى إن صرف الإلهية لغيره، ومقابلة موسى له بالآيات الباهرات، والدلالات المعجزات، واتهامُ فرعون له بالسحر وجمعه السحرة للانتصار لسلطانه وطغيانه.