دعاهم إلى إفراد الله تعالى بالعبادة والوفاء بالقسط والميزان، فما زالوا على كبرهم وعنادهم حتى دكهم الله بالعذاب ليكون آية لمن بعدهم تتناقله الأجيال عبر الزمان، وقد كان سبق في علم الله أن أكثرهم لن يكونوا في أهل الإيمان.
فقوله تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾. يعني أهل مدين كذبوا نبيهم شعيبًا. والأيك: الشجر الملتف الكثير، والواحدة أيكة. قال ابن عباس: (قوله: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ﴾ قال: أهل مدين، والأيكة: الملتف من الشجر). وقال ابن زيد: (بعث الله شعيبًا إلى قومه من أهل مدين وإلى أهل البادية، قال: وهم أصحاب ليكة. وليكة والأيكة: واحد). قال ابن كثير: (وكان نبيُّ الله شُعيب من أنفسهم، وإنما لم يَقُل ها هنا أخوهم شعيب، لأنهم نُسِبُوا إلى عبادة الأيكة، وهي شجرة. وقيل: شجَرٌ مُلْتَفٌّ كالغيضةِ، كانوا يعبدونها).
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.
أي: إذ خاطبهم نبيّهم شعيب - ﷺ - ألا تستترون بطاعة الله وتحرزون أنفسكم من عقابه، إني لكم رسول أمين على ما أرسلت به من الوحي إليكم، فخافوا الله ربكم وأطيعوا رسولكم في نصحه لكم، فما سألتكم أجرًا على بلاغي لكم، وإنما أحتسب ثواب ذلك عند الله بارئكم.
وقوله تعالى: ﴿أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾.
أي: أوفوا الناس حقوقهم إذا وزنتم لهم أو كِلْتم إليهم، وإياكم والتطفيف.
قال القرطبي: (﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ﴾ الناقصين للكيل والوزن).
وقوله تعالى: ﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾.
القسطاس: هو الميزان. وقيل: القَبَّان. قال مجاهد: (القسطاس المستقيم: العدل بالروميّة).
وقوله: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ﴾. قال ابن جرير: (يقول: ولا تنقصوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن).
وقوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾. قال النسفي: (ولا تبالغوا فيها في الإفساد، نحو قطع الطريق والغارة وإهلاك الزروع، وكانوا يفعلون ذلك فنهوا عنه).