اعتذرت به من العذر، واحتججت به من الحجة لغيبتك عنا، وفيما جئتنا به من الخبر ﴿أَصَدَقْتَ﴾ في ذلك كله ﴿أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيه).
وقوله تعالى: ﴿اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ﴾.
قال الضحاك: (فمضى الهدهد بالكتاب، حتى إذا حاذى الملكة وهي على عرشها ألقى إليها الكتاب).
قال ابن كثير: (وذلك أن سليمان - عليه السلام - كتب كتابًا إلى بلقيس وقومِها.
وأعطاه لذلك الهدهد فحمله، قيل: في جناحه كما هو عادةُ الطير، وقيل: بمنقاره، وذهب إلى بلادهم فجاء إلى قصر بِلْقيس، إلى الخَلْوَةِ التي كانت تختلي فيها بنفسِها، فألقاه إليها من كُوَّةٍ هنالِكَ بينَ يديها، ثمَّ تولى ناحيةً أدبًا ورياسة فتحيَّرت مما رأت، وهالها ذلك، ثمَّ عَمَدت إلى الكتاب فأخذَته، ففتحت خَتْمَهُ وقرأته، فإذا فيه: ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣٠) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾).
وقوله: ﴿قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾.
الملأ: أشراف قومها. والمقصود: أنها جمعت أمراءها ووزراءها وكبراء دولتها ومملكتها وأخبرتهم قائلة لهم: ﴿إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾. وفي تأويله وجوه:
١ - الوجه الأوّل: قال النسفي: (﴿أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ﴾ حسن مضمونه وما فيه).
٢ - الوجه الثاني: قال ابن جرير: (قال بعضهم: وصفته بذلك لأنه كان مختومًا).
٣ - الوجه الثالث: قال ابن زيد: (هو كتاب سليمان حيث كتب إليها). فوصفت الكتاب بالكريم لأنه من عند عظيم في نفسها ونفوسهم فعظَّمته إجلالًا لسليمان عليه السلام.
٤ - الوجه الرابع: قيل: لأنه بدأ فيه بـ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ - ذكره القرطبي.
٥ - الوجه الخامس: قيل: تعني بكرمه ما رأته من عجيب أمره، كون طائر أتى به فألقاه إليها، ثمَّ تولّى عنها أَدَبًا. وهذا أمْرٌ لا يقِدرُ عليه أحدٌ من الملوك، ولا سبيل لهم إلى ذلك - ذكره ابن كثير.
٦ - الوجه السادس: قيل: وصفته بذلك، لما تضمن من لين القول والموعظة في الدعاء إلى عبادة الله - عز وجل -، وحسن الاستعطاف والاستلطاف من غير أن يتضمن سَبًّا ولا لعنًا، ولا ما يغيّر النفس، ومن غير كلام نازل ولا مستغلق، على عادة الرسل في