والمقصود: لما أُتي سليمان عليه الصلاة والسلام بِعَرْش بَلْقِيس قبل وصولها إليه، أمر بالعرش أن تُغَيَّر بعض صفاته ليختبِر معرفتها وثباتها عند رؤيته، هل تهتدي لمعرفة عرشها أو لا.
وقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾.
قال وهب بن منبه: (لما انتهت إلى سليمان وكلمته أخرج لها عرشها ثمَّ قال: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾؟ ﴿قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ﴾). قال قتادة: (شبَّهته). وقال ابن زيد: (شكّت). قال ابن كثير: (أي عُرِض عليها عرشُها، وقد غُيِّرَ وَنُكِّرَ، وزيدَ فيه ونُقِصَ، وكان فيها ثَباتٌ وعقلٌ، ولها لُبّ ودَهاءٌ وحَزْمٌ، فلم تُقدِم على أنَّه هو لِبُعْدِ مسافتِه عنها، ولا أنَّه غيرُه، لِمَا رأت من آثاره وصِفاتِه، وإنْ غُيِّرَ وَبُدِّلَ ونُكِّرَ، فقالت: ﴿كَأَنَّهُ هُوَ﴾، أي: يُشْبِهُه ويُقارِبُه. وهذا غاية في الذَّكاء والحَزْم).
وقوله: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾. قال مجاهد: (سليمان يقوله).
قال ابن جرير: (وقال سليمان: ﴿وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا﴾ أي هذه المرأة، بالله وبقدرته على ما يشاء، ﴿وَكُنَّا مُسْلِمِينَ﴾ لله من قبلها).
وقوله تعالى: ﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾.
أي: وكان صدّها عن الهداية ما كانت تعبد مع قومها الشمس من دون الله، فمنعها نشؤها بين أظهر الكفار من عبادة الله وحده.
قال مجاهد: (كفرها بقضاء الله، صدّها أن تهتدي للحق).
قال النسفي: (﴿وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ متصل بكلام سليمان، أي وصدّها عن العلم بما علمناه، أو عن التقدم إلى الإِسلام عبادة الشمس ونشؤها بين أظهر الكفرة، ثمَّ بين نشأها بين الكفرة بقوله: ﴿إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ﴾. أو كلام مبتدأ، أي: قال الله تعالى: ﴿وَصَدَّهَا﴾ قبل ذلك عما دخلت فيه ضلالها عن سواء السبيل، أو صدّها الله، أو سليمان عما كانت تعبد بتقدير حذف الجار وإيصال الفعل).
وقوله: ﴿قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾. أي القصر أو صحن الدار.
قال وهب بن منبه: (أمر سليمان بالصرح، وقد عملته له الشياطين من زجاج كأنه الماء بياضًا، ثمَّ أرسل الماء تحته، ثمَّ وضع له فيه سريره، فجلس عليه، وعكفت عليه الطير والجن والإنس، ثمَّ قال: ﴿ادْخُلِي الصَّرْحَ﴾ ليريها مُلْكًا هو أعزّ من مُلكها،