وقوله: ﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾.
أي: أمْ مَن يلجأ إليه العباد عند النوازل والمحن والمصائب، يرجون رحمته ويطمعون بكشف الضر عنهم مما نزل بهم.
قال ابن عباس: (﴿أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ﴾ قال: هو ذو الضرورة المجهود).
وقال السديّ: (الذي لا حول له ولا قوة). وقال ذو النون: (هو الذي قطع العلائق عما دون الله). وقال سهل بن عبد الله: (هو الذي إذا رفع يديه إلى الله داعيًا لم يكن له وسيلة من طاعة قذمها).
وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال: أنا أسألك بالله أن تدعو لي فأنا مضطر، قال: (إذن فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه).
وعن ابن جريج: (﴿وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾: الضّر).
قال القرطبي: (ضمن الله تعالى إجابة المضطر إذا دعاه، وأخبر بذلك عن نفسه، والسبب في ذلك أن الضرورة إليه باللجاء ينشأ عن الإخلاص، وقطع القلب عما سواه، وللإخلاص عنده سبحانه موقع وذمّة، وجد من مؤمن أو كافر، طائع أو فاجر، كما قال تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [يونس: ٢٢]. وقوله: ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] فأجابهم عند ضرورتهم ووقوع إخلاصهم، مع علمه أنهم يعودون إلى شركهم وكفرهم. وقال تعالى: ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [العنكبوت: ٦٥] فيجيب المضطر لموضع اضطراره وإخلاصه).
قلت: وهذا تفسير رائع من الإمام القرطبي رحمه الله لآفاق هذه الآية الكريمة، وقد حفلت السنة العطرة ببدائع جوامع الكلم في ذلك.
الحديث الأول: أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي تميمة الهُجيمي، عن رجل من بَلْهُجَيْم قال: [قلت: يا رسول الله، إلامَ تدعُو؟ قال: أدعو إلى الله وحدَه، الذي إنْ مَسَّكَ ضُرٌّ فدعوته كشفَ عنكَ، والذي إنْ أَضْلَلْتَ بأرضٍ قَفرٍ فدعوتَه ردَّ عليك، والذي إن أصابتك سنةٌ فدعوتَه أنبتَ لك. قال: قلت: أَوْصِني. قال: لا تَسُبَّنَ