القرطبي: (فإذا دعوا إلى الخير أعرضوا وولّوا كأنهم لا يسمعون، نظيره: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾ [البقرة: ١٨]).
قلت: والآية نص في عدم سماع الأموات، وما حصل من كلام النبي - ﷺ - لقتلى المشركين يوم بدر خاص به - ﷺ -. واستنكار عمر يدل على هذا الأصل.
ففي صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك عن أبي طلحة: [أن نبيَّ الله - ﷺ - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلًا مِنْ صَناديد قُريشٍ فَقُذِفوا في طَوِيٍّ مِنْ أطواءِ بَدْرٍ خبيثٍ مُخْبِثٍ، وكان إذا ظَهَرَ على قومٍ أقامَ بالعرْصَةِ ثلاثَ ليالٍ، فلما كان بِبَدْرٍ اليومَ الثالثَ أمَرَ براحلته فَشُدَّ عليها رَحْلُها إلا لِبَعْضِ حاجَتِهِ، حتى قامَ على شَفةِ الرَّكِيِّ فجعل يُناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم: يا فلانُ بنَ فلانٍ، ويا فلانُ بنَ فلانٍ، أيَسُرُّكُمْ أنكم أطعتم الله ورسوله؟ فإنا قد وَجَدْنا ما وعدنا ربنا حقًّا، فهل وجدتم ما وعَدَ ربكم حقًّا؟ قال: فقال عمر: يا رسول الله، ما تُكَلِّمُ منْ أجْسَادٍ لا أرواحَ لها، فقال رسول الله - ﷺ -: والذي نَفْسُ محمد بيده، ما أنتم بأسمعَ لِما أقولُ منهم. قال قتادة: أحْياهُم الله، حتى أسْمَعَهُم قَوْلَهُ تَوْبيخًا وتصغيرًا ونِقْمَةً وحَسْرةً ونَدَمًا] (١).
وقوله: ﴿وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ﴾.
أي: وما أنت - يا محمد - بهادي من عمي عن الحق وغرق في الكفر، فليس بوسعك خلق الإيمان في قلوبهم.
وقوله: ﴿إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
قال ابن كثير: (أي: إنما يستجيب لكَ من هو سميعٌ بصيرٌ، السمعُ والبصرُ النافعُ في القلْبِ والبَصيرة الخاضعُ لله، ولما جاء عنه على ألسنة الرسل عليهم السلام).
قلت: فمن عمي عن الحق وصمّ عن سماع حججه وبيانه فقد اختار البقاء في ظلمة الخلق الأولى التي خلق الله عباده فيها.
فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي - ﷺ - أنه قال: [إنّ الله تعالى خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور اهتدى، ومن أخطأه ضلَّ] (٢).
(٢) حديث صحيح. أخرجه أحمد (٢/ ١٧٦)، (٢/ ١٩٧)، وأخرجه ابن حبان (١٨١٢)، والحاكم (١/ ٣٠)، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (١٠٧٦).