الفزع والخوف من الحية. ثم هي آية لك كلما شعرت بخوف أو فزع أثناء مسيركَ في مواجهة فرعون وطغيانهِ هو وجنودهِ، ولذلك قال جل ذكرهُ بعدها: ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾. أي خارجين عن طاعة ربهم.
وعن السدي: (﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾: العصا واليد آيتان).
وقال مجاهد: (﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾: تبيانان من ربك).
٣٣ - ٣٥. قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (٣٥)﴾.
في هذه الآيات: توجه موسى عليه الصلاة والسلام إلى ربه عز وجل حين أمره بالذهاب إلى فرعون في مصر -وكان قد خرج فرارًا من أذاهُ وبطشه- بما يجد من خوف من ذلكَ على حياته بعد قتله القبطي منهم. فلما علم أمر الله له بذلك وتوليه له سأله الاستعانة بأخيه هارون، حيث هو أفصح في التعبير منه، بسبب عقدة اللسان القديمةِ عند موسى، فآنسه الله تعالى وجعل هارون وزيرًا له ومقويًا لأمره وكتب لهما الحمايةَ من بطش فرعون والغلبة بآياته وإبلاغ رسالته.
قال ابن جرير: (﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾: فأخاف إن أتيتهم فلم أبن عن نفسي بحجة أن يقتلوني لأن في لساني عقدة، ولا أبين معها ما أريد من الكلام). قال ابن كثير: (وذلكَ أن موسى -عليه السلام- كان في لسانهِ لُثغَةٌ بسبب ما كان تناول تلك الجَمْرَة، حين خُيِّر بينها وبين التمرة أو الدُّرَّة، فأخذ الجمرة فوضعها على لسانهِ، فحصل فيهِ شدة في التعبير، ولهذا قال: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٨) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي﴾ [طه: ٢٧ - ٣٢]).
وقوله: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾. أي أحسن بيانًا وإعرابًا عما يريدُ بيانهُ وتبليغه.
وقوله: ﴿فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي﴾. أي: عونًا يصدقني ويدعمُ حجتي ويبين لهم