مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} فتعبدوه، وتصدقوا قول موسى فيما جاءكم به من أن لكم وله ربًا غيري ومعبودًا سواي).
وقوله: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾.
أي: أَمَرَ فرعونُ وزيرَهُ هامان أن يعملِ له صرحًا من الآجر ليرتفع عليه فينظر إلى إله موسى في الأعلى. قال القاسمي: ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ أي نارًا، فأتخذ منه آجرًّا). قال الزمخشري: (﴿صَرْحًا﴾ أي قصرًا رفيعًا إلى السماء).
وقوله: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾. أي في قوله إن ثمَّ ربًّا غيري.
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ [الشعراء: ٢٩].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ [غافر: ٣٦ - ٣٧].
قال الإمام الجويني أبو محمد والد إمام الحرمين: (وهذا يدل على أن موسى أخبره بأن ربه تعالى فوق السماء، ولهذا قال: وإني لأظنهُ كاذبًا) (١).
قلت: ومن ثمَّ فمن شكّ أن الله في السماء اليوم، فقد تشبهَ بطريقة فرعون.
وقوله تعالى: ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾.
أي: أصَرَّ فرعون وجنوده الذين معه على الطغيان والكفر بآياتِ الله وحجج الحق تعديًا وعتوًا على ربهم وحسبوا أنهم بعد مماتهم لا يبعثون ولا يحاسبون. فركبوا أهواءهم وتمردوا على بارئهم وضيّعوا فرصة عمرهم في الإخبات لله العظيم، والإنابة إليه ليصفح عن جرائمهم وهو التواب الرحيم، فأخذهم الله جميعًا فأهلكهم غرقى في البحر في صورة من الخزي والذل، فانظر -يا محمد- كيف كان مآل القوم الظالمين، وقُصّ خبرهم على قومكَ لعلهم يختاروا غير هذه النهاية القبيحة.
أخرج الترمذي بسند صحيح عن ابن عباس عن النبي - ﷺ - قال: [أنّه ذكر أنّ جبريلَ