كَافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١)}.
في هذه الآيات: مطالبةُ المشركين بالآيات والمعجزات وقد كفروا بما أوتي موسى من قبل وكانوا ظالمين. فقل لهم -يا محمد-: فهلّا أتيتم بكتاب من عند الله بعد كفركم بهذين الكتابين. فإن لم يفعلوا فاعلم -يا محمد- أن القوم إنما يتبعون أهواءهم فهم في غيِّهم يعمهون.
فقوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾.
قال مجاهد: (يهود تأمر قريشًا أن تسأل محمدًا مثل ما أوتي موسى، يقول الله لمحمد - ﷺ -: قل لقريش يقولوا لهم: أولم بكفروا بما أوتي موسى من قبل).
قلت: وقد يكونُ ذلكَ التعنت من قريش على سبيل العناد، يريدون تقليد الأمم السالفة قبلهم في طلب الآيات، مع أن الإيمان باللهِ وصدق وَحْيهِ لا يحتاج إلى الخوارق لإثباته، فهو حجة بنفسه، فهم يطلبون مثل ما أوتي موسى من الآيات الكثيرة: كالعصا واليد، والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، وفلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى، فأجابهم الله تعالى بقوله: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾. قال ابن كثير: (أي: أولم يكفر البشر بما أوتي موسى من تلك الآيات العظيمة).
وقوله: ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾. قال مجاهد: (يعني موسى وهارون عليهما السلام). و ﴿تَظَاهَرَا﴾ أي تعاونا وتناصرا وصدّق كل منهما الآخر.
وعن ابن عباس: (﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ يعني موسى ومحمد - ﷺ -). وفي رواية عنه: (يعنون التوراة والقرآن). قال السدي: (يعني صدّق كل واحد منهما الآخر).
قلت: والبيانُ الإلهي يحتمل ما سبق من التأويل، وأما من أدخل في التأويل: عيسى عليهِ السلام والإنجيل فقد أبعد لعدم ورود ذلكَ في السياق.
وقوله: ﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾. أي: إنا بكل واحد منهما كافرون.