والمقصود: محاولة بعض كفار قريش اعتذارهم للنبي - ﷺ - عن اتباع هذا الوحي الذي هو الدين الحق بتَخَوُّفِهم من تألُّبِ قبائل العرب عليهم، واستهدافهم بالمحاربةِ والأذى فأثبت اللهُ تعالى كذبهم في ما اعتذروا به، وبطلان استدلالهم.
فقال: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾. قال ابن عباس: (ثمرات الأرض).
قال قتادة: (أولم يكونوا آمنين في حرمهم لا يغزون فيه ولا يخافون، يُجبى إليهِ ثمراتُ كل شيء).
قال ابن زيد: (آمناكم به. قال: هي مكة، وهم قريش).
قال ابن كثير: (يعني هذا الذي اعتذروا به كَذِبٌ وباطل، لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين، وحَرَمٍ مُعَظَّمٍ آمِنٍ منذُ وُضعَ، فكيف يكونُ هذا الحرم آمنًا لهم في حال كفرهم وشركهم، ولا يكون آمنًا لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق؟ ! وقوله تعالى: ﴿يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، أي: من سائر الثمار مما حوله من الطائف وغيره، وكذلكَ المتاجر والأمتعة).
وقوله: ﴿رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾. أي: هذه النعم العظيمة من الأمن والرزق إنما كانت رزقًا من عندنا، ولكن أكثر هؤلاء المشركين يجهلون نعمة الله عليهم ولا يقومون بما يجب عليهم من شكرها.
وقوله: ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾.
قال ابن زيد: (البطر: أَشَرُ أهل الغفلهَ وأهل الباطل والركوب لمعاصي الله).
وقال الزجاج: (البطر الطغيان بالنعمة).
وفي التنزيل نحو ذلك:
قال تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (١١٢) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ [النحل: ١١٢ - ١١٣].
أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" بسند صحيح لغيره عن عائشة مرفوعًا: [إذا ظهرَ