[إنّ عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)﴾ [العنكبوت: ٣].
أي: ولقد اختبرنا الذين مضوا من الأمم قبل أمتك -يا محمد-، ولَيُظْهِرَنَّ اللهُ صِدْقَ الصادقين وكَذِبَ الكاذبين.
قال مجاهد: (﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾: ابتلينا الذين من قبلهم).
والعلم هنا بمعنى الإظهار. قال ابن عباس: ("إلا لنعلم": إلا لنرى). وكذلك الآيات المشابهة، فإن الله عليم بما كان ويكون وسيكون وما لن يكون كيف لو كان يكون. قال ابن كثير: (وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعَمُّ من الرؤية، فإنه يتعلَّق بالمعدوم والموجود). وقال القرطبي: (ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازى عليه).
قال ابن عطاء: (يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء، فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين، ومن بطر في أيام الرخاء وجزع في أيام النبلاء فهو من الكاذبين).
وقوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾.
أي: أمْ ظَنَّ الذين يجترحون السيئات أن يفوتونا فَيَفِرُّوا من الفِتْنهِ والبلاء، والامتحان في الشدة والرخاء، كلا فإن من ورائهم العقوبة والنكال، وَوُرودِ أسوأِ الأحوال.
قال قتادة: (﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ هو أي: الشرك). وقال مجاهد: ﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾: أن يعجزونا). وقال القاسمي: (﴿أَنْ يَسْبِقُونَا﴾ أي يفوتونا، فلا نقدر على مجازاتهم بمساوئ أعمالهم ﴿سَاءَ مَا يَحْكُمُون﴾ أي بئس الذي يحكمونه حكمهم).
وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾.
أي: من كان يرجو الله عند لقائه، ويطمع في ثوابه، والنجاة من عذابه، فإن أجل الله الذي أجّله لبعث عباده وإكرام أوليائه لآت قريبًا، وهو السميع لدعاء عباده