مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (٣٨) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (٣٩) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٠)}.
في هذه الآيات: خبرُ شعيب - ﷺ - وقومه ودعوتهم لعبادة الله والاستعداد لليوم الآخر وترك الفساد في الأرض، وإصرارهم حتى أخذتهم الرجفة فأصبحوا جاثمين. وخبر عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان وغيرهم من الأمم الباغية الذين سلّط الله عليهم ألوان العذاب وما كانوا سابقين.
فقوله: ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾.
قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: وأرسلت إلى مَدْين أخاهم شعيبًا، فقال لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده، وذِلُّوا له بالطاعة، واخضعوا له بالعبادة، ﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ يقول: وارجوا بعبادتكم إياي جزاء اليوم الآخر وذلك يوم القيامة).
وقال بعضهم: (﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾: واخشوا اليوم الآخر). وقيل: (﴿وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ أي صدقوا به فإن القوم كانوا ينكرونه).
وقوله: ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
العُثُوُّ والعِثيّ أشد الفساد. والمقصود: نهيهم عن السعي في الأرض بالفساد والبغي والإفساد. وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان، ويقطعون الطريق على الناس، هذا مع كفرهم بالله ورسوله.
وقوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾.
قال قتادة: (﴿جَاثِمِينَ﴾: أي ميتين). وقال غيره: (قد أُلقي بعضهم على بعض).
قال ابن كثير: (فأهلكهم الله بِرَجْفَةٍ عظيمة زَلْزَلَت عليهم بلادهم، وصَيحةٍ أخرجت القلوب من حَنَاجرها، وعذاب يَوْمِ الظلّة الذي أزهَقَ الأرواحَ من مُستَقَرِّها، إنه كان عذاب يوم عظيم).