قال النسفي: (كان سفهاء قريش وجهلتهم يقولون: إنّ رب محمد يضرب المثل بالذباب والعنكبوت ويضحكون من ذلك، فلذلك قال: ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ به وبأسمائه وصفاته، أي: لا يعقل صحتها وحسنها ولا يفهم فائدتها إلا هم، لأن الأمثال والتشبيهات إنما هي الطرق إلى المعاني المستورة حتى تبرزها وتصورها للأفهام). وعن عمرو بن مرة قال: (ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها، إلا أحزنني. لأني سمعت الله تعالى يقول: ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾).
٤٤ - ٤٥. قوله تعالى: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (٤٤) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (٤٥)﴾.
في هذه الآيات: خَلْقُ الله السماوات والأرض بالحق، ودعوته تعالى رسوله - ﷺ - والمؤمنين لتلاوة الوحي وإقام الصلاة، فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، وألله يعلم جميع شؤون عباده وأعمالهم.
فقوله: ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾. أي: محقًا، أراد بخلقه ذلك الجِدّ والعمل، لا اللهو والعبث والكسل. قال النسفي: (يعني لم يخلقهما باطلًا بل لحكمة، وهي أن تكونا مساكن عباده، وعبرة للمعتبرين منهم، ودلائل على عظم قدرته).
وفي التنزيل نحو ذلك:
١ - قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (١٦) لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ (١٧) بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٦ - ١٨].
٢ - وقال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١)﴾ [النجم: ٣١].
ومن صحيح السنة العطرة في آفاق ذلك أحاديث، منها:
الحديث الأول: أخرج ابن ماجه بسند حسن عن أبي ذر قال: قال رسول الله - ﷺ -: