الحديث الثالث: روى الطبراني في الأوسط، والبزار في المسند، بإسناد حسن عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - ﷺ -: [فضل العلم خير من فضل العبادة، وخير دينكم الورع] (١). وفي رواية: [فضل العلم أحبُّ إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾.
أي: لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطعام، بل جعلناهم - مثلك يا محمد - أجسادًا يطعمون ويموتون.
قال الضحاك: (يقول: لم أجعلهم جَسدًا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطعام، ولكن جعلناهم جسدًا فيها أرواح يأكلون الطعام).
وعن قتادة: (قوله: ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾: أي لا بد لهم من الموت أن يموتوا).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾.
هو إشارة من الله سبحانه إلى المهمّ في أمر الرسل: أنهم نُصروا على المكذبين من أقوامهم، وكانت لهم العاقبة في نهاية الأمر، وأهلك الله المعاندين المسرفين.
قال قتادة: (والمسرفون: هم المشركون).
وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
قال ابن عباس: (﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾: شرفكم).
وقال مجاهد: (﴿فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ قال: حديثكم). وقال الحسن: (دينكم).
وقال سفيان: (نزل القرآن بمكارم الأخلاق، ألم تسمعه يقول: ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾.
قلت: وكل ما سبق يحتمله التأويل، وإن كان المقصود الأعلى في هذه الآية التنبيه على شرف هذا القرآن، وتحريض قريش والعرب على معرفة قدره ورفعته وسموه.
قال ابن كثير: (﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أي: هذه النعمة وتتلقَّونها بالقبول، كما قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾ [الزخرف: ٤٤].