قال النسفي: (﴿فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ﴾ شك ﴿مِنْ لِقَائِهِ﴾: من لقاء موسى الكتاب، أو من لقائك موسى ليلة المعراج أو يومَ القيامة، أو من لقاء موسى ربه في الآخرة).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. الضمير في ﴿وَجَعَلْنَاهُ﴾ يعود على موسى أو الكتاب.
١ - قال قتادة: (جعل الله موسى هدىً لبني إسرائيل).
٢ - وعن الحسن: (جعلنا الكتاب هدىً لبني إسرائيل) - يعني: التوراة.
والتأويل الثاني أرجح وهو كقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا﴾ [الإسراء: ٢]. وإن كان التأويل الأول صحيح المعنى.
وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.
أي: وجعلنا منهم قادة وقدوة يقتدى بهم في دينهم، ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ أي يدعون الخلق إلى طاعة الله وأمره، لما حققوا الصبر واليقين، فإنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
قال قتادة: (﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ قال: رؤساء في الخير. وقوله: ﴿يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ يقول تعالى ذكره: يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذننا لهم بذلك، وتقويتنا إياهم عليه). وقال غيره: (لما أخذا برأس الأمر صاروا رؤوسًا).
وقرأ عامةُ قراء المدينة والبصرة: ﴿لَمَّا صَبَرُوا﴾ أي: حين صبروا، أو إذ صبروا.
وقرأ عامة قراء الكوفة: ﴿لِما صَبَرُوا﴾ أي: لصبرهم عن الدنيا وشهواتها، واجتهادهم في طاعة الله. قال سفيان: (لما صبروا عن الدنيا). قال: (لا بُدَّ للدِّين من العمل، كما لا بُدَّ للجسد من الخُبْز).
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والصبر صبران: صبر عند الغضب، وصبر عند المصيبة كما قال الحسن رحمه الله: "ما تجرع عبد جرعةً أعظم من جرعة حلم عند الغضب، وجرعة صبر عند المصيبة". وذلكَ لأن أصل ذلك: هو الصبر على المؤلم وهذا هو الشجاع الشديد الذي يصبر على المؤلم. قال: وإذا عظمت المحنةُ كان ذلكَ للمؤمن الصالح سببًا لعلو الدرجة. وعظيم الأجر. كما سئل النبي - ﷺ -: "أي النَّاس أشد بلاءً؟ قال: الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل. يُبْتَلى الرجل على حسب