وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. الفتح هنا: الفصل والقضاء، ومن زعم أن المقصود فتح مكة فقد أَغْرَبَ وأَبْعَد. قال قتادة: (الفتح القضاء).
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن استعجال الكفار وقوع بأس الله بهم وحُلولَ غَضَبهِ ونِقْمَتِه عليهم، استبعادًا وتكذيبًا وعنادًا ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ﴾، أي: متى تُنْصَرُ علينا يا محمد كما تزعم أن لكَ وقتًا تُدال علينا، ويُنْتَقَمُ لك منا، فمتى يكون هذا؟ ما نراك أنتَ وأصحابكَ إلا مُخْتَفين خائِفين قليلين ذَليلين! قال الله تعالى: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ﴾، أي: إذا حلّ بكم بأسُ الله وسَخطُه وغضبه في الدنيا وفي الأخرى، ﴿لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾، كما قال تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ﴾ [غافر: ٨٣ - ٨٥]).
وقوله: ﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ﴾. أي: لا ينفعهم إيمانهم حال القتل كما لم ينفع فرعون إيمانه حال الغرق.
وقوله: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾. قال القرطبي: (أي يؤخرون ويمهلون للتوبة، إن كانَ الفتح يومَ بدر أو فتح مكة، ففي بدر قُتِلوا، ويوم الفتح هربوا فلحقهم خالد بن الوليد فقتلهم). وقال القاسمي: (﴿قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ لحلول ما يغشى الأبصار ويعمي البصائر. وظهور منار الإيمان وزهوق الفريق الكافر).
وقوله تعالى: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾. أي: لا تبالِ بالمشركين وبلغ رسالةَ ربكَ وانتظر نصره فإنهم ينتظرون هلاككم ويتمنون الدوائر أن تنزل بكم، كما قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ﴾ [الطور: ٣٠ - ٣١].
قال النسفي: (﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ﴾ النصرة وهلاكهم ﴿إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾ الغلبة عليكم وهلاككم).
تم تفسير سورة السجدة بعون الله وتوفيقه، وواسع مَنِّهِ وكرمه
* * *