فقال حدث أمرٌ عظيم! قلت: ما هو؟ أجاءت غسّان؟ (وفي رواية: ونحنُ نتخوّفُ مَلِكًا من ملوكِ غسّان ذُكِرَ لَنا أنه يريدُ أَنْ يسير إلينا فقد امتلأت صدورنا منه، فإذا صاحبي الأنصاري يدقُّ الباب فقال: افْتَح افْتَحَ! فقلتُ جاء الغسَّاني؟ فقال: بل أشد من ذلك، اعتزل رسول الله - ﷺ - أزواجه، فقلتُ رغمَ أَنْفُ حَفْصَةَ وعائشة).
وبالرواية الأولى: قال لا بل أعظمُ منهُ وأطوَلُ، طَلَّقَ رسول الله - ﷺ - نساءَهُ، قال: قد خابَتْ حَفْصَةُ وخَسِرَتْ، كنتُ أظنُّ أن هذا يُوشِكُ أَنْ يكونَ، فجمعتُ عليَّ ثيابي فصليتُ صلاةَ الفجر مع النبي - ﷺ -، فدخلِ مَشْرُبَةَ لهُ فاعتزل فيها، فدخلتُ على حفصةَ فإذا هي تبكي، قلتُ: وما يُبكيكِ؟ أَوَلمْ أكُنْ حَذرْتُكِ؟ أطَلَّقُكُنَّ رسول الله - ﷺ -؟ قالت: لا أدري، هو ذا في المشربة (١)، فخرجت فجِئْتُ المِنْبَر، فإذا حولَهُ رَهْطٌ يبكي بعضُهم، فجلستُ معهم قليلًا، ثم غلبني ما أجدُ فجئتُ المشرُبَة التي هو فيها، فقلتُ لغلام له أسود: استأذن لعمر، فدخل فكلم النبي - ﷺ - ثم خرج فقال: ذكرتك له فصمت، فانصرفتُ حتى جلستُ مع الرَّهط الذين عند المِنْبَر، ثم غلبني ما أجد فجِئتُ فذكر مثله، فجلست مع الرّهطِ الذين عند المِنْبَر، ثم غلبني ما أجد فجئتُ الغلامَ فقلت: استأذن لعمر، فذكر مثلهُ، فلما وليتُ منصرفًا فإذا الغلامُ يدعوني قال: أذن لكَ رسول الله - ﷺ -. (وفي رواية مسلم: قال عمر لما اعتزل نبي الله - ﷺ - نساءه قال: دخلتُ المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى، ويقولون طلّق رسول الله - ﷺ - نساءه، وذلكَ قبل أن يؤمر بالحجاب، فقلتُ لأعلمن ذلكَ اليوم، قال: فدخلتُ على عائشة فقلتُ يا بنةَ أبي بكر أقد بلغَ من شأنك أن تؤذي رسول الله - ﷺ -؟ فقالت: ما لي وما لك يا ابن الخطاب عليكَ بعيبَتِكَ. قال: فدخلتُ على حفصةَ فقلت لها: يا حفصة أقد بلغَ من شأنكِ أن تؤذي رسول الله - ﷺ -؟ واللهِ لقد علمت أنّ رسول الله - ﷺ - لا يحبكِ ولولا أنا لطلقكِ رسول الله - ﷺ -، فبكت أشد البكاء، فقلت لها: أين رسول الله - ﷺ -؟ قالَتْ: هو في خزانته في المشرُبة. فدخلتُ فإذا برباحٍ غلامِ رسول الله - ﷺ - قاعدًا على أسكفةِ المشربة مُدْلٍ رجليهِ على نقير من خشب وهو جذع يرقى عليهِ رسول الله - ﷺ - وينحدر، فناديت يا رباح استأذن لي عندك على رسول الله - ﷺ -، فنظر رباح إلى الغرفةِ ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا، ثم قلتُ: يا رباح! استأذن لي عندكَ على رسول الله - ﷺ -، فنظر رباح إلى الغرفة ثم نظر إليّ فلم يقل شيئًا، ثم رفعت صوتي فقلت: يا رباح استئذن لي عندكَ على رسول الله - ﷺ - فإني أظن أن رسول الله - ﷺ - ظن أنما جئتُ من أجل حفصة، واللهِ لئن

(١) المشربة: الغرفة المرتفعة.


الصفحة التالية
Icon