وجملة ﴿يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا﴾ بدل من "يِرْجِعُ". قال القاسمي: (أي يتجاذبون أطراف المحادثة ويتراجعونها بينهم).
وقال ابن زيد: (﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾.
يقول: بل مكركم بنا في الليل والنهار أيها العظماء الرؤساء حتى أزلتمونا عن عبادة الله).
أي: حتى جعلناكم له أشباهًا وأمثالًا ونظراء.
وعن قتادة: (قوله: ﴿وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا﴾ شركاء. وقوله: ﴿وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ﴾ يقول: وندموا على ما فرطوا من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعدَّه لهم).
وقوله: ﴿وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.
قال أبو جعفر: (وَغُلَّت أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم في جوامع من نار جهنم جزاء بما كانوا بالله في الدنيا يكفرون. قال: ما يفعل الله ذلك بهم إلا ثوابًا لأعمالهم الخبيثة التي كانوا في الدنيا يعملونها ومكافأة لهم عليها).
ففي هذه الآياتِ العظيمة فضيحة للعلاقة التي كانت بين المتكبرين في الأرض وأعوانهم على الظلم يكشفها الله باسرارها على رؤوس الملأ يوم القيامة، فيكشف دعوة الجبابرة إلى تعظيم أنفسهم وإلى حماية أهوائهم واستذلال الأعوان لديهم لتحقيقها وصرف قلوبهم ليعظموهم ويمدحوهم بالكذب والجور والاستهزاء بالحق وأوامر الله العظيم لخلقه. وقد وصف الله ذلك بالمكر، وأصل المكر في كلام العرب الاحتيال والخديعة. قال النحاس: (والمعنى - والله أعلم - بل مكركم في الليل والنهار، أي مسارتكم إيانا ودعاؤكم لنا إلى الكفر حملنا على هذا). وقال سفيان الثوري: (بل عملكم في الليل والنهار). وقال قتادة: (بل مكركم بالليل والنهار صدّنا، فأضيف المكر إليهما لوقوعه فيهما). ووصفه القرطبي بقوله: (وهذا من قبيل قولك: ليلهُ قائم ونهاره صائم). فمضى العمر القصير على التجسّس وإشاعة الرذيلة في الأرض ومصادرة الحق وأهله، فالنار مثواكم أجمعين.
٣٤ - ٣٩. قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا


الصفحة التالية
Icon