فكأن الملائكة قالوا سبحانك يا إلهنا تنزهت أسماؤك وتقدست عن أن يكون معك إله، أنت ولينا من دونهم نبرأ إليك من فعل هؤلاء فنحن عبيدك، بل كانوا يعبدون الشياطين من الجن الذين أضلوهم وزينوا لهم ﴿أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾.
قال الحافظ ابن كثير: (أي تبرأ الملائكة من عابديهم بغير حق).
فاليوم لا يملك بعضكم لبعض شفاعة ونجاة أو عذابًا وهلاكًا، أي لا يملك بعضكم للآخر نفعًا ولا ضرًا. ونقول: ذوقوا جزاءكم فقد كان القرآن يتلى عليكم فتقولون ما هذا إلا [رجل] يعنون محمدًا - ﷺ - مغاير لنهج الآباء في الآلهة التي كانوا يعبدونها، فتارة تقولون لما جاءكم به إفكًا وتارة تقولون سحرًا. فقوله: ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾: قال: ابن جرير: (يبين لمن رآه وتأمله أنه سحر).
فكذبهم الله بقوله: ﴿وَمَا آتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا﴾ أي: فما أنزلنا على هؤلاء المشركين القائلين عن القرآن إنه سحر كتبًا يدرسونها. قال قتادة: (أي يقرؤونها).
قال القرطبي: (أي لم يقرؤوا في كتاب الله بطلانَ ما جئت به ولا سمعوه من رسول بعث إليهم، كما قال: ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (٢١)﴾ [الزخرف: ٢١]).
وقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ﴾. قال قتادة: (ما أنزل الله على العرب كتابًا قبل القرآن ولا بعث إليهم نبيًا قبل محمد - ﷺ -).
وقد سلك من قبلهم مسلكهم فكذبوا ﴿وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آتَيْنَاهُمْ﴾. قال ابن عباس: (من القوة في الدنيا). وفي رواية عنه: (وما جاوزوا معشار ما أنعمنا عليهم).
أي ما بلغ مشركو قريش عشر ما أعطى الله من قبلهم ومكنهم، ومع ذلك لما طغوا أهلكهم، قال ابن زيد: (ما بلغ هؤلاء أمة محمد - ﷺ - معشار ما آتينا الذي من قبلهم وما أعطيناهم من الدنيا وبسطنا عليهم. قال: وقوله: ﴿فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ يقول: فكذبوا رسلي فيما أتوهم به من رسالتي فعاقبناهم بتغييرنا بهم ما كنا آتيناهم من النعم، فانظر يا محمد كيف كان نكير. يقول: كيف كان تغييري بهم وعقوبتي). وقال النقاش: (ما بلغ الذين من قبلهم معشار شكر ما أعطيناهم). وقيل: (ما أعطى الله تعالى من قبلهم معشار ما أعطاهم من العلم والبيان والحجة والبرهان).
والمعشار والعشر لغتان، والمعنى واحد. وقيل: المعشار عشر العشر. وقيل: