٥ - وقال السدي: (هو فزعهم يوم بدر حين ضربت أعناقهم بسيوف الملائكة فلم يستطيعوا فرارًا ولا رجوعًا إلى التوبة).
وخلاصة المعنى: ولو ترى يا محمد هؤلاء المشركين إذا نزل بهم عذاب من الله من قتل أو بأس أو موت فيفزعون عند معاينته فلا فوت ولا هرب منه، فقد كانوا إذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما يعبد آباؤكم.
وقوله: ﴿فَلَا فَوْتَ﴾. قال ابن عباس: (فلا نجاة). وقال الضحاك: (لا هرب).
وقو: ﴿وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ﴾. أي من القبور. وقيل: حيث كانوا فهم من الله قريب. وقيل: أخذوا من جهنم فألقوا فيها. وقيل: أخذوا من بطن الأرض إلى ظهرها عند فزع القيامة. وجميعها أقوال يحتملها البيان الإلهي.
وقوده: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾. قال مجاهد: (قالوا آمنا بالله). وقال قتادة: (﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ قال: بالرسول - ﷺ -. يعني حين عاينوا عذاب الله). وقال الحسن: (بالبعث). وقيل: بالقرآن. وقال ابن زيد: (﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ﴾ بعد القتل ﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ قال: هؤلاء قتلى أهل بدر من قتل منهم وقرأ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ {(٥١) وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ...... ﴾ الآية. قال: التناوش: التناول، وأنى لهم تناول التوبة من مكان بعيد وقد تركوها في الدنيا. قال: وهذا بعد الموت في الآخرة).
قلت: وكلها أقوال متقاربة يحتملها البيان الإلهي تزيد في وضوح المعنى ويقتضيها الإعجاز.
وعن ابن عباس: (﴿وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ﴾ قال: يسألون الردّ وليس بحين ردّ).
وقال الضحاك: (التناوش الرجعة، أي يطلبون الرجعة إلى الدنيا ليؤمنوا وهيهات من ذلك).
وقد قرأها قراء المدينة ﴿التَّنَاوُشُ﴾، وقراء البصرة والكوفة ﴿التناؤش﴾ بمعنى التنؤش، وهو الإبطاء، وهما قراءتان مشهورتان، والعرب تقول للقوم في الحرب إذا دنا بعضهم من بعض بالرماح ولم يتلاقوا: قد تناوش القوم.
فيكون المعنى: فمن أي وجه لهم التناوش والرجعة أو تناول التوبة عند معاينة العذاب أو القتل، فإن الإيمان لن يقبل منهم حينئذ، كما قال عز وجل في موضع آخر: ﴿وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ وكقوله سبحانه: {وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى