مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}، وقوله: ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا﴾.
فكيف مع هذه العداوة البينة يتولاه كثير من الناس ويطيعونه! وقد فطن بعض أهل العلم لهذه المخادعة، فكان الفضيل بن عياض يقول: (يا كذاب يا مُفْتَرٍ، اتق الله ولا تَسُبَّ الشيطان في العلانية وأنت صديقه في السر).
وكان ابن السماك يقول: (يا عجبًا لمن عصى المحسن بعد معرفته بإحسانه، وأطاع اللعين بعد معرفته بعداوته) - نقله القرطبي رحمه الله.
٧ - ١٠. قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (٨) وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ (٩) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)﴾.
في هذه الآياتِ: لما ذكر سبحانه الشيطان وحزبه ومصيرهم أتبع الكافرين الذين خضعوا للشيطان وحزبه ذلك المصير المؤلم، ونجّى المؤمنين خصوم الشيطان وحزبه الذين عاندوا الشيطان باعمالهم الصالحة وبتعظيمهم حرمات الله وحراسة الحق ونصرته، فلا تتحسر يا محمد على من يسيء إلى الحق ويعيش على النفاق والمخادعة، ويوهم من حوله ويوهم نفسه أنه يحسن صنعًا، وهو في حقيقة الأمر قد أضله الله، فهو العليم بما يبيتون وبما يصنعون، فلا تأسف عليهم فالله بعلمه التام وحكمته البالغة يضل من يشاء ويهدي من يشاء، كل ذلك قد عَلِمه وقدّره، فإن أنكروا البعث فذكرهم أن الله يرسل رياحًا فتثير سحابًا فيمطر أرضًا ميتة فيحييها بعد ما كانت هامدة لا حياة بها، وكذلك البعث بعد الموت، فمن أراد النجاة في الآخرة فلا طريق إلا بطاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتعظيم شرعه، فهذا طريق العزة في الدنيا والآخرة، وكل مكر سيحيق بأهله وسيرتد عليهم نقمًا وعذابًا.