فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ (٣٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ (٣٥) وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧) إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٣٨)}.
في هذه الآياتِ: يقول جل ذكره: وما أوحينا إليك يا محمد هو القرآن كلام الله الحق الذي عليك وعلى أمتك أن تعمل بما فيه، وهو يصدق ما مضى من الكتب المنزلة على عباده، فهو بهم خبير بما يعملون وبما يصلح لهم من شرع وتدبير، ثم ورّث الله هذا الحق من اصطفى من هذه الأمة فنزلوا ثلاثة منازل: منهم سابقون يدخلون الجَنَّة بغير حساب، ومنهم يحاسبون حسابًا يسيرًا، ومنهم خلطوا عملًا صالحًا وآخر سيئًا، لكن لم يشركوا بالله فعسى أن يعفو عنهم. لكنِ السابقون منهم أصحاب الفضل الكبير والثناء الجميل في جنات عدن وذهب ولؤلؤ وحرير، ويحمدون الله أن صرف عنهم الموت والمصائب فهو الغفور الشكور، على ما حباهم به من الخلود في دار النعيم لا ينالهم تعب ولا نصب ولا نفور. وأما الكافرون فهم في آلام مستمرة فلا يرون الموت ليخفف عنهم ولا مرد لقضاء الله جزاء على الكفر والفجور. وهم يصطرخون يرجون العودة إلى الدنيا ليستأنفوا العمل الصالح وحياة البر والطهور، ولكن الله قضى أن لا عودة فما قدّر لهم من العمر يكفي للمستبصر الذي يخشى في الآخرة عدم العبور، ويقول للظالمين ذوقوا ما كسبتم إن الله عليم بذات الصدور.
وعن قتادة: (﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾، قال: للكتب التي خلت قبله).
وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾. قال ابن جرير: (يقول تعالى ذكره: إن الله