وسَّعَهُ عليه، ولا ذكره في سعة إلا ضيّقها عليه] (١).
فموت الأهل والأصحاب إنذار بالرحيل في كل وقت وحين. قال بعضهم:

وأراك تحملهم ولست تردّهم فكأنني بك قد حُمِلْتَ فلم تُرَدَّا
وقال آخر:
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا واعص الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقطنا لَقْطًا فتلحق أُخرانا بأولانا
في كل يوم لنا مَيْتٌ نشيعه نرى بمصرعه آثار موتانا
يا نفس ما لي وللأموال أتركها خلفي وأخرج من دنياي عُريانا
أبعد خمسين قد قضيتها لعبا قد آن أن تقصري قد آن قد آنا
* * *
ما بالنا نتعامى عن مصائرنا ننسى بغفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصًا وهذا الدهر يزجرنا كأنّ زاجرنا بالحرص أغرانا
أين الملوك وأبناء الملوك ومَنْ كانت تخرُّ له الأذقان إذعانا
صاحت بهم حادثات الدهر فانقلبوا مستبدلين من الأوطان أوطانا
خلّوا مدائن كان العِزُّ مَفْرَشَها واستُفْرِشوا حُفَرًا غُبرًا وقيعانا
* * *
يا راكضًا في ميادين الهوى مرِحًا ورافلًا في ثياب الغيّ نشوانا
مضى الزمان وولّى العمْرُ في لعب يكفيكَ ماقد مضى قد كان ما كانا
ثم قال جل ثناؤه يخاطب الكفار بعد أن احتج عليهم بالعمر والنذير: ﴿فَذُوقُوا﴾ أي عذاب جهنم جزاء بما فرطتم من العمر وضيّعتم من النذر، فما اتعظتم بشيب ولا موت ولا كهولة ولا اكتمال عقل ولا مرض ولا نوائب ولا سنن كونية أو شرعية: ﴿فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾. أي. لا مانع يمنعكم من عذاب الله.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾.
أي: فهو عالم سبحانه بما أخفته صدوركم أيها الناس وبما بيّته الكافرون من حب الاستكبار في الأرض والاستهزاء بالرسل وبالمؤمنين، كما قال جل ثناؤه: {وَلَوْ رُدُّوا
(١) حديث صحيح. أخرجه ابن حبان (٢٥٥٩) - (٢٥٦٢). وأخرج نحوه النسائي (١/ ٢٥٨)، والترمذي (٢/ ٥٠)، وابن ماجة (٢/ ٤٢٥٨)، والحاكم (٤/ ٣٢١).


الصفحة التالية
Icon