المؤمنين. ثم قال: يا أمير المؤمنين! أرأيت قول الله تعالى: ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ فقال: اقرأ يا غيلان! فقرأ حتى انتهى إلى قوله: ﴿فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا﴾ فقال: اقرأ، فقال: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ فقال: والله يا أمير المؤمنين إن شعرت أنّ هذا في كتاب الله قط. فقال له: يا غيلان: اقرأ أول سورة "يس". فقرأ حتى بلغ: ﴿وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾. فقال غيلان: والله يا أمير المؤمنين كأني لم أرها قط قبل اليوم، اشهد يا أمير المؤمنين أني تائب. فقال عمر: اللهم إن كان صادقًا فتب عليه وثبته، وإن كان كاذبًا فسلط عليه من لا يرحمه واجعله آية للمؤمنين، فأخذه هشام فقطع يديه ورجليه وصلبه. وقال ابن عون: فأنا رأيته مصلوبًا على باب دمشق. فقلنا: ما شأنك يا غيلان؟ فقال: أصابتني دعوة الرجل الصالح عمر بن عبد العزيز).
وقوله: ﴿إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ﴾. قال قتادة: (واتباع الذكر اتباع القرآن).
وقوله: ﴿وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ﴾ قال قتادة: (أي ما غاب من عذابه وناره). وقيل: أن يخشاه في مغيبه عن أبصار الناس وانفراده بنفسه، فهذا الذي ينفع إنذارك له يا محمد: من آمن بالقرآن وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناظرين. أما المنافق الذي يظهر الإيمان بالقرآن في الشهادة، ويستخف بدين الله، ويستهزئ بالغيب إذا خلا فهذا لا ينفعه إنذارك ما دام قد طبع الله على قلبه وآثر الشرك على التوحيد.
وقوله: ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾. أي: فبشر يا محمد من آمن وعظم الله في السر والعلانية بمغفرة الله لذنوبه فضلًا منه، وبالجنة منَّا منه ورحمة.
ثم قال جل ثناؤه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
فأخبر سبحانه بأنه هو يحيي الموتى ردًّا على منكري البعث والجزاء. وقال الضحاك: (أي نحييهم بالإيمان بعد الجهل). والأول أظهر.
وعن ابن زيد: (في قوله: ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا﴾ قال: ما عملوا. ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ قال: أم الكتاب التي عند الله فيها الأشياء كلها هي الإمام المبين).
يروي الترمذي والحاكم بسند صحيح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: [إن بني سَلِمَة شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد منازلهم من المسجد، فنزلت: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا