قلت: وهذا هو الصحيح. إلا أن يكون تَرْكُهُ للأقرب لعذر، كوجود قبر أو منكر أو إمام غير جدير بالإمامة، ونحو ذلك.
فقد روى الطبراني بسند صحيح عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [ليُصَلِّ الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد] (١).
فالسنة أن يصلي في مسجد الجوار ولا يتبع المساجد، وأن يمشي إلى الصلاة بوقار. فقد روى ابن جرير بإسناده عن الحسين عن ثابت قال: (مشيت مع أنس فأسرعت المشي، فأخذ بيدي، فمشينا رُويدًا، فلما قضينا الصلاة، قال أنس: مشيت مع زيد بن ثابت فأسرعت المشي فقال: يا أنس أما شعرت أن الآثار تكتب).
وأصل ذلك في الصحيحين عن أبي قتادة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، ولا تأتوها وأنتم تسعون، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا] (٢).
وعن مجاهد: (قوله: ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ قال: في أم الكتاب).
وقوله: ﴿مُبِينٍ﴾ أي شديد الوضوح، يبين عن حقيقة جميع ما أثبت فيه. فالله سبحانه قد أحصى كل أثر لابن آدم، وكل ما يصنعه الإنسان من عمل، كما قال جل ثناؤه: ﴿عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ﴾. وكقوله: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾.
و﴿وَكُلَّ﴾ في قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ﴾ منصوب بفعل محذوف، وكان التقدير: وأحصينا كل شيء أحصيناه. ويمكن رفعه على الابتداء ولكن النصب أولى. وبقوله: ﴿فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ قال قتادة: (أراد اللوح المحفوظ) وهو كقول مجاهد. وقال آخرون: (أراد صحائف الأعمال).
فالله نسأل أن يمحو السيئات، ويضاعف لنا الحسنات، ويكرمنا بدخول الجنات، إنه غفور شكور.
١٣ - ٣٢. قوله تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣) إِذْ
(٢) حديث صحيح. أخرجه البخاري (٦٣٦)، (٩٠٨)، وأخرجه مسلم (٦٠٢)، وأحمد (٢/ ٥٣٢)، ورواه ابن ماجة (٧٧٥)، وابن حبان (٢١٤٦)، وغيرهم.