إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} الذي تقوم به الحجة عليكم، بأن الله واحد لا شريك له، فله أسلموا وإليه توجهوا ولا تشركوا، وإليه فتحاكموا وللقائه فاستعدوا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فهذه عادة الأمم المكذبة يستعجبون إذا أوحى الله إلى بشر فينصرفون عن الحقيقة إلى الخرافة والأوهام، بأنه لو كنتم رسلًا لكنتم ملائكة، كما قال تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾. فأكّد لهم الرسل بأنهم مرسلون من عند الله، ولو كنا كذبة لانتقم الله منا. قال ابن كثير: (ولكن سينصرنا عليكم فما علينا إلا إبلاغكم ما أرسلنا به إليكم، فإن أطعتم فلكم سعادة الدارين وإن عصيتم فعليكم مغبة ذلك).
وقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾. قال ابن جرير: (يعنون إنا تشاءمنا بكم فإن أصابنا بلاء فمن أجلكم).
وقوله: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾. قال قتادة: (بالحجارة). وقيل: لنشتمنكم. وقيل: هو التعذيب المؤلم. وقيل: هو التعذيب المؤلم قبل القتل كالسلخ والقطع والصلب. قال القرطبي: (وعامة ما في القرآن من الرجم معناه القتل).
وقوله: ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. قال قتادة: (ولينالنكم منا عذاب موجع). فأجابهم الرسل: ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾. قال وهب بن منبه: (قالت الرسل: ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾ أي أعمالكم معكم). وقال ابن عباس: (معناه الأرزاق والأقدار تتبعكم).
فالمعنى: أجاب الرسل القوم المتشائمين ببلاغهم: بأن أعمالكم وأرزاقكم وحظكم من الخير والشر معكم ولازم في أعناقكم، وما هو من شؤمنا، فإن أصابكم سوء فبما اجترحت جوارحكم، وبما استذلكم الشيطان باتباع أهوائكم وشهواتكم وتحكيم نفوسكم، وكل ما أصابكم فهو أمر قد كتب عليكم وسبق لكم من الله.
وقوله: ﴿أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ﴾. قال قتادة: (أي إن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا). وقوله: ﴿بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ﴾. قال يحيى بن سلاّم: (مسرفون في كفركم). وقال قتادة: (مسرفون في تطيركم). وقال ابن بحر: (السرف هاهنا الفساد، ومعناه بل أنتم قوم مفسدون). وقيل: (مسرفون: مشركون، والإسراف مجاوزة الحد، والمشرك يجاوز الحدّ) ذكره القرطبي.