حاله). فرحمه الله تعالى فقد تمنى الخير لقتلته والباغين له الغوائل، ولكن الله سبحانه انتقم ممن قتله فجعل النقمة عليهم، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم، كما قال جل ثناؤه:
﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾.
أي ما أنزل الله عليهم رسالة ولابعث لهم نبيًا، كما قال مجاهد في قوله: ﴿جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ قال: (رسالة). وقال قتادة: (فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله. ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾).
وقال الحسن: (أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ولا نبي بعد قتله. قال: الجند: الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء). واختار ابن جرير أن الجند الملائكة.
وقيل: الجند العساكر، كما ذكر ابن إسحاق عن ابن مسعود قال: (غضب الله له، يعني لهذا المؤمن، لاستضعافهم إياه غضبة لم تبق من القوم شيئًا فعخل لهم النقمة بما استحلوا منه وقال: ﴿وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾. يقول: ما كاثرناهم بالجموع، أي الأمر أيسر علينا من ذلك: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾). وقال قتادة: (خامدون: هلكى).
أي فإذا هم خامدون عن آخرهم لم تبق بهم روح تتردد في جسد، فبادوا عن وجه الأرض ولم تبق منهم باقية. فالله ما أهلكهم بجنده بل بصيحة واحدة فكانوا بها هالكين. وقراءة الجمهور بالفتح ﴿صَيْحَةً﴾، وقرأها أبو جعفر المدني ﴿صَيْحَةً﴾ بالرفع -فتكون كان بمعنى وقع- والقراءة الأولى أصح وعليها الإجماع.
(فائدة):
قوله: ﴿وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ﴾ فيه تصغير لأمرهم وشأنهم، فقد أهلكناهم بصيحة فهلكوا، وأما ما حصل لنبيّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من التأييد بإنزال الملائكة يوم بدر والخندق -وكان يكفيهم مَلَكٌ واحد أو صيحة كما أُهلكت مدائن قوم لوط وبلاد ثمود وقوم صالح- فهو من أسباب الكرامة والإعزاز وعظائم الأمور التي اختص الله بها هذا النبي الكريم وأمته عليه الصلاة والسلام.
وقوله تعالى: ﴿يَاحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.
قال قتادة: (يا حسرة العباد على أنفسها على ما ضَيَّعت من أمر الله وفرّطت في جنب الله. قال: وفي بعض القراءات: يا حسرة العباد على أنفسها}).