أن تغير من مناهج حياتهم نحو تعظيم خالق الكون والبشر، فهل علموا أين يأجوج ومأجوج الذي أثبته الله في كتابه وكذلك نبيّه في السنن والسير، وهل عثروا في البحر على مُقام المسيح الدجال ذاك الأعور شيخ اليهود المُنْتَظر، فوجه الاستدلال بالآية أنه إذا انفرد بالخلق سبحانه فلا ينبغي أن يشرك به البشر.
وقوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾.
السلخ في لغة العرب: القطع والنزع والكشط. يقال: سلخ جلد الشاة، ويقال: سلخت الشهر إذا أمْضَيْتَه وصرتَ في آخره. ويقال أيضا: انسلخ الشهر من سَنَتِه والرجل من ثيابه والحية من قِشْرها والنهار من الليل، فهي استعارة بمعنى الإخراج، فعبّر عن ذهاب الضوء وإقبال الظلمة بالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ. فمن الدلالة على آياته العظيمة وقدرته سبحانه تعاقب الليل والنهار، والظلام والنور. كما قال تعالى: ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾.
فقوله: ﴿نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ﴾ يعني نقتطعه منه فيذهب ويقبل الليل، فإذا هم مظلمون داخلون في الظلام. والعرب تقول: أصبحنا إذا دخلنا في الصباح، وأظهرنا إذا دخلنا في الظهر، وأظلمنا إذا دخلنا في الظلام، وبنحوه أضحينا وأمسينا. فالسلخ يشبه قوله في الآية الأخرى: ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا﴾ أي خرج منها وتركها، وكذلك هنا انسلاخ الليل من النهار، فإذا هم في ظلمة بعد دخول الليل. فعن قتادة: (قوله: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)﴾ قال: يولج الليل في النهار، ويولج النهار في الليل).
والإيلاج هو زيادة ما نقص من ساعات هذا في ساعات الآخر، وليس ذلك السلخ، فالنهار يسلخ من الليل كله، وكذا الليل من النهار كله، فيقتطع منه فيذهب، كما في الصحيحين عن عمر رضي الله عنه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: [إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم] (١).
وقوله: ﴿فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ﴾. قال القرطبي: (أي في ظلمة، لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم).
ثم قال جل ثناؤه: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾. ومستقرها تحت العرش حيث تسجد كل يوم، وتستأذن الله ربها بالخروج مرة أخرى.