قلت: وكل هذه المعاني داخلة في بيان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السابق، كما قال ابن عباس: (إنها إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استقرت تحت العرش إلى أن تطلع). وكل ما سبق بيانه لا يعارض طلوعها من المغرب قُريب الساعة علامةً من علامات القيامة.
ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: [إن أول الآيات خروجًا طلوع الشمس من مغريها، وخرُوج الدابة على الناس ضحًا، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريبًا] (١).
وفي صحيح مسلم أيضًا عن أبي ذر: [أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال يومًا: أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش، فتخر ساجدة فلا تزال كذلك حتى يقال لها: ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري حتى تنتهي إلى مستقرها تحت العرش فتخرّ ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئت، فترجع فتصبح طالعة من مطلعها، ثم تجري لا يستنكر الناس منها شيئًا حتى تنتهي إلى مستقرها ذاك تحت العرش فيقال لها: ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك، فتصبح طالعة من مغربها. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتدرون متى ذلكم؟ ذاك حين ﴿لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾] (٢).
فهذا معنى قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا﴾. والتقدير: وآية لهم الشمس، أو تكون الشمس مرفوعة بفعل محذوف يفسره الثاني. كان يقال: وتطلع الشمس فتجري لمستقر لها، وقد تكون الشمس في محل رفع على الابتداء، وجملة ﴿تَجْرِي﴾ هي الخبر، والله تعالى أعلم.
وقوله: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾.
قال ابن جرير: (يقول: هذا الذي وصفناه من جري الشمس لمستقر لها تقدير العزيز في انتقامه من أعدائه، العليم بمصالح خلقه، وغير ذلك من الأشياء كلها لا يخفى عليه خافية).
(٢) حديث صحيح. أخرجه مسلم (١٥٩)، كتاب الإيمان، باب بيان الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان.